عفواً عمرو موسى.. مخالفة القانون الدولي ديدن "الأقوياء» فقط!!



التعبئة الوطنية الشاملة ضرورة لمواجهة كل الاحتمالات
عفواً عمرو موسى.. مخالفة القانون الدولي ديدن "الأقوياء» فقط!!



د.ياسر محجوب الحسين


لا بد أن نتفق مع السيد عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية عندما أعلن في نهاية الاجتماع الاستثنائي لمجلس وزراء الخارجية العرب الذي بحث مذكرة أوكامبو المعيبة أن النظام الدولي الحالي أصبح قائماً على ازدواجية المعايير وضرورة مواجهة ذلك بعد أن أصبح له آثار سيئة على الاستقرار العالمي. لكن لا شك أنه غير مقتنع بقوله «إن الموضوع لن يعالج بأصوات عالية أو شعارات» ودعوته بأن نقف موقفاً رصيناً من النواحي القانونية والسياسية وحقوق الإنسان. فهذه الدعوة الأخيرة هي حيلة الدول المغلوبة على أمرها في نظامنا الدولي. فالضعفاء نطالبهم بالعقلانية وعدم الخروج على القانون الدولي بينما الأقوياء أصحاب الجبروت لا يُسألون عن ما يفعلون.
ونعترف أن السيد عمرو موسى الحاصل على وشاح النيلين من السودان في يونيو 2001، بعث الكثير من الحيوية في مؤسسة الجامعة العربية بعد أن ظلت ميتة تنتظر التشييع والدفن، ويبقى الرجل الوحيد الذي يسمي الأشياء بمسمياتها، فقد أعلن بجرأة يحسد عليها وفاة ما يعرف بعملية السلام مع إسرائيل. إلا أنه لم يستطع أن يعدّل الكثير في هيكلية الجامعة، فهي لا تزال في معظمها إرثاً بيروقراطياً على الرغم من أن ذلك لا ينسجم مع طبيعته الديناميكية.
إن الجميع يعلم أن مطالبة السودان «بالعقلانية» تدخل في إطار التدليس والنفاق الدولي ومحاولات ذر الرماد على العيون، فعندما غزت الولايات المتحدة العراق في 20 مارس من العام 2003 لم تراع قانوناً دولياً ولا بعداً إنسانياً بل خالفت بشكل صريح قرارات الأمم المتحدة في هذا الصدد، وعارضت كثير من الدول حملة الغزو المشؤوم لكونها تخالف القوانين الدولية، وحاولت واشنطن قبيل بدء الحملة العسكرية الحصول على تشريع دولي لكن هذه المحاولات كما سجل التاريخ فشلت فشلاً ذريعاً. ورغم ذلك مضت واشنطن قدماً ودخلت العراق على رؤوس الأشهاد. ويذكر أن السكرتير العام للأمم المتحدة في حينه كوفي عنان صرَّح بعد سقوط بغداد أن الغزو كان منافياً لدستور الأمم المتحدة. ورأى الكثير من أهل القانون الدولي أن الحملة العسكرية ضد العراق كانت مخالفة للبند الرابع من المادة الثانية للقوانين الدولية والتي تنص على انه «لا يحق لدولة عضو في الأمم المتحدة من تهديد أو استعمال القوة ضد دولة ذات سيادة لأغراض غير أغراض الدفاع عن النفس».
وكان تبرير امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل من أهم التبريرات التي حاولت الإدارة الأميركية ترويجها في الأمم المتحدة ومجلس الأمن. ولم تفلح واشنطن وهي الدولة المحتلة للعراق بعد ذلك في إثبات مزاعمها بل عمدت إلى حل فرق التفتيش التي شكَّلتها لعدم عثورها على أي أثر على أسلحة الدمار الشامل.
ومنذ سنوات عديدة يحاول اليمين الأميركي الجديد فرض هيمنته الأيديولوجية والسياسية ليس على الولايات المتحدة فحسب بل على مختلف أرجاء العالم واصطدمت كثيرا بالعقلانية والقانون الدولي وبمقاومة المجتمعات الحرة. وكان للسودان حظه الكبير الوافر في أجندة أميركا وفي حملة التعبئة العسكرية الواسعة في خيارها للحرب «الوقائية» كوسيلة للتحكم الشامل. وإعادة ترتيب منطقة الشرق الأوسط.
ليس صحيحاً أن المظاهرات التي تنتظم السودان -وهي تعبير سلمي وعقلاني في نفس الوقت- أمر لا طائل منه بل هي عمل جدي يدخل في إطار دعم الجهود الدبلوماسية كما هي استفتاء لشعبية النظام السياسي القائم الذي تشكّل عبر سنوات عديدة وارتكز على اتفاقيات سلام وتراضٍ وطني، وكان صدور قانون الانتخابات آخر لبنة تم وضعها في بنية النظام السياسي الذي يتطور باستمرار عبر الحوار والتجارب. إن تحركات أوكامبو الأخيرة المدفوعة بالكيد الأميركي تحتم على واضعي السياسات في السودان ضرورة النظر في منهجية علمية لقراءة ما حدث وما يحدث لاستشراف ما سيحدث، في ظل واقع متحرك لأمة عاشت وعياً مأزوماً. وهذه القراءة تأخذ في اعتبارها منطق الغرب الإمبريالي في تعامله مع أمم العالم الثالث، حتى يبقى السودان خارج المنظومة المنفعلة والمهزومة، حيث تحوّلت كثير من الأنظمة بفعل الوعي التاريخي المفقود والهزال الفكري والسياسي إلى أدوات للغرب.
لقد كانت محاكمة وإعدام الرئيس صدام حسين تحت أنظار ملوك ورؤساء العرب وبتدبير أميركي نقطة تحول كبرى في تاريخ المجتمع الدولي، فقد رفض الاحتلال الأميركي إحالته إلى المحكمة الدولية بحجة وجود نظام قضائي وطني (تحت الاحتلال طبعا) واليوم تسعى أميركا عبر أوكامبو إلى محاكمة مواطنين سودانيين في هذه المحكمة التي لا تعترف بها ولا توافق على محاكمة مجرّد جندي أميركي فيها وتتجاهل في الوقت ذاته سيادة السودان ونظامه القضائي القائم.
إن ما ينبغي أن نؤكِّد عليه، هو أهمية التعبئة الوطنية الشاملة لمواجهة كل الاحتمالات، مما يفرض علينا تقوية الجبهة الداخلية، وتوسيع دائرة الشورى والحوار، والانفتاح على كل ألوان الطيف السياسي ومختلف مكونات المجتمع السوداني على اعتبار أن ذلك الضمانة التاريخية الوحيدة لمواجهة كل المخططات التي تستهدف وحدتنا والتي هي همّ جميع المواطنين.


الصحافة 23 يوليو 2008

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

باقان أموم.. الطائر الذي عشش في قصر الحكومة