أمواج ناعمة
هل
"تسرق" تريزا حليب البريطانيين؟
د. ياسر محجوب الحسين

داخليا قادت تاتشر في 1984 و1985 حربا بلا
هوادة ضد النقابات البريطانية التي نظمت مظاهرات شعبية للتنديد بسياستها الليبرالية،
لكن رغم التعبئة الكبيرة إلا أن تاتشر انتصرت في مواجهتها مع العمال وذلك بفضل الإجراءات
الأمنية المشددة التي اتخذتها حكومتها لإنهاء الإضراب. وأطلق عليها لقب "سارقة
الحليب" لأنها منعت الحليب المجاني عن طلاب المدارس ضمن سياسة تقشف اتخذتها.
خارجيا دخلت تاتشر في حرب طويلة ومكلفة
ضد الأرجنتين من اجل استرجاع جزر الفوكلاند التي استعادتها الأرجنتين. وبعد جهد حربي
كبير، ربحت المرأة الحديدية الحرب، مما رفع رصيدها السياسي وأعيد انتخابها للمرة الثانية
رئيسة للحكومة البريطانية في 1983.
وقالت تريزا عقب تسلمها منصبها منتصف
يوليو الحالي وهي امرأة صارمة القسمات: "إن وجود رئيسة وزراء انثى من المفترض
أن يعزز الصدق فى حين أن الرجال يتعاملون مع السياسة وكأنها لعبة" وقال عنها
أحد زملاء في حزب المحافظين أنها "أفضل رجل لأداء المهمة".. وهنالك تعليقات
ساخرة سابقة تتساءل إن كانت تيريزا رجلاً مستتراً... وهي ثاني امرأة ترأس وزراء
بريطانيا بعد تاتشر وكانت رابع وزيرة داخلية في بريطانيا من خلال آخر موقع شغلته..
وقامت بفرض اختبار اللغة الانجليزية على المهاجرين، كما رفعت رسوم تأشيرة المهاجرين
فضلا عن رفعها لرسوم التأمين الصحي على المهاجرين وأعتبرت تريزا من أبرز منتقدي سياسة
الهجرة الأوروبية.
وأصرت تريزا على ترحيل المتشدد أبوقتادة
وهو يحمل الجنسية البريطانية إلى الأردن بعد خوضها حرب قضائية طويلة لم تلن لها
خلالها قناة، كما رحلت أبي حمزة إلى الولايات المتحدة. لكن كان لها القدح المعلى في
إعفاء مواطني الإمارات و3 دول خليجية من الحاجة إلى تأشيرة دخول رسمية إلى الأراضي
البريطانية، سواء كانت سياحية أو طبية مع الإبقاء على تأشيرة الدراسة أو العمل.
ويعتبر أبرز
موقف يبين سياستها الصارمة التي لا تقل شأنا عن سياسة تاتشر قولها أنها لا تمانع في
الموافقة على ضربة نووية قد تؤدي إلى مقتل 100 ألف شخص مدني.. وبمناسبة أول خطاب لها أمام البرلمان، دافعت ماي
عن تجديد البرنامج النووي، ووصفته بأنه "الضمانة الأكيدة" لأمن البلاد.
ومما يثير قلق الكثيرين فيما يتعلق
بالسياسة الخارجية لبريطانيا اقدام تريزا على تعيين بوريس جونسون وزيرا للخارجية وقد
قارن كثيرون بينه وبين مرشح الحزب الجمهوري الأمريكي دونالد ترامب حتى أطلقوا عليه
لقب "ترامب بريطانيا" لتقارب مواقفهما تجاه كثير من القضايا. ويخشى أن
يشير ذلك إلى اتجاهاً سياسياً غربيّاً متصاعداً نحو الشعبوية السياسية مع معاداة الأجانب
والمهاجرين واستجداء الناخب من خلال دغدغة المشاعر العنصرية.. ومن تصريحات جونسون
الغريبة قوله أن أصول الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، الكينية، جعلته يكره تراث بريطانيا
وتاريخها. كما شبه المرشحة هيلاري كلينتون، المرشحة للانتخابات الرئاسية الأمريكية،
"بممرضة سادية تعمل في مصحة للأمراض العقلية". وقال أن الاتحاد الأوروبي
مثل مشروع زعيم النازية، أدولف هتلر، الذي حاول إنشاء دولة أوروبية واحدة.
والمدهش جقا أن جونسون بدأ حياته العملية
صحفيا في صحيفة ديلي تلغراف، ثم أصبح مراسلها للاتحاد الأوروبي، ونائبا للمدير، قبل
أن يصبح مديرا لصحيفة سبيكتيتور، عام 1991. لكن الرجل أقيل لاحقا من صحيفة التايمز
بسبب عدم الدقة في نقل التصريحات، كما فصل من منصب المتحدث باسم حزب المحافظين عام
2004، بسبب كذبه بشأن علاقاته النسائية.
وتواجه تريزا تحديا اقتصاديا خطيرا قد
يدخلها في ورطة "سرقة لبن البريطانيين"، فكيف تتمكن من تجنيب بلادها
المخاطر الاقتصادية الناجمة عن انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.. فبريطانيا تريد
منافع أوروبا دون اعباء الهجرة الداخلية الأوروبية وحرية الحركة والعمل، خاصة أن نبرة
الانفصال عن أوروبا كانت ذَا طابع مضاد للهجرة مع مسحة عنصرية وشوفينية قومية. فهل
تتمكن تريزا من الحصول على المنافع دون الأعباء؟ في ظل تحذير مستشارة ألمانيا
أنجيلا ميركل التي قالت أنه لا ينبغي لبريطانيا أن تتوقع التحلل من الالتزامات الأوروبية
والمحافظة في الوقت نفسه على الامتيازات.
تيرزا تواجه كذلك خطر استقلال اسكتلندا
الشمالية عن المملكة المتحدة، كنتيجة للانسحاب من أوروبا حيث صوت سكانها للبقاء في
الاتحاد الأوروبي وهددت رئيسة وزراء اسكتلندا باقامة استفتاء جديد لشعب أسكتلندا
لمعرفة ما إذا كانوا راغبين في البقاء ضمن المملكة المتحدة أم يريدون الاستقلال
عنها.
الشرق القطرية 30/07/2016
تعليقات