تلازمية صحفية.. ولكن
د. ياسر محجوب الحسين
(1)
أُريد للنقاش أمس الأول في ملتقى (حقوق وواجبات الصحفي) أن يدور حول تلازمية الحقوق والواجبات، أي أن الحديث عن إحداهما يتطلب بالضرورة الحديث عن الأخرى.. لكن رياح لجنة ترقية أخلاقيات المهنة بالمجلس القومي للصحافة التي نظمت الملتقى لم تأت بما تشتهي.. غضب جام تدفق سيولاً جارفة وهواءً ساخناً خرج من قلوب الصحفيين المكلومة بسبب تعطّل أو تعطيل صحفهم و(زوغة) الناشرين من دفع حقوقهم وتركهم تحت الشجرة يجترون مراراتهم.. من الطرائف ذات الدلالة العميقة أن معظم الصحفيين الذي قدموا مداخلات (من رئيس تحرير وحتى أصغر محرر) كانوا يقدمون أنفسهم بأنه من صحيفة كذا المتوقفة أو الموقوفة؟!.. الواقع الصحفي المأساوي جعل الحديث عن الواجبات (ترفاً).. شخصياً أعتقد أن تقصير الصحفيين تجاه واجباتهم سببه في الغالب نكوص الجهات المعنية عن مهمة تبصير الصحفيين بواجباتهم وتدريبهم على القيام بها.. أما التقصير تجاه حقوق الصحفيين يتحمله الناشرون ومن قبلهم الدولة التي لم تُبد حتى الآن ولو مجرد مشاعر كاذبة تبين حزنها وتأثرها بما يجري، دعك من أن تكون مشاعر صادقة تتلوها خطوات عملية في طريق الإصلاح.. قناعتنا أن الحكومة تتمنى لو أن مقبرة جماعية ضمت كل الصحف ولتصمت إلى الأبد!!.. والحكومة بهذه العقلية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تسهم في إقالة عثرة الصحافة.. في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية التي يعيشها الوطن، تبقى الصحافة في دائرة المعاناة حيث تتداخل عوامل متباينة ينتج عنها ضعف في أداء الكوادر المهنية وغياب للتأهيل أثناء الممارسة، وهو عصب الارتقاء والتطور المهني.. ولعل أهم كوابح حصول الصحفي على حقوقه ضعف المؤسسات الصحفية والحقل الصحفي اليوم مكان غير جاذب للكفاءات الصحفية.. المشكلة أن محاولات إصدار الصحف ظلت فردية وهي محاولات لم تتجاوز بعد مفهوم التجارة التقليدية، مما يسمى دارجاً بـ(الكناتين) أو (الدكاكين)، الأمر الذي جعلها فقط ملاذاً أخيراً لمن لا ملاذ له، ومهنة من لا مهنة له.. دراسات الجدوى الخاصة بإنشاء الصحف تتسم في كثير من الأحيات بعدم الواقعية.. ما بني على باطل فهو باطل، فهذا الواقع يشير إلى أن خللاً كبيراً في أهم حقوق الصحفي وهي المخصصات المالية من راتب وبدلات.. الإحصاءات في مكتب العمل تشيب الرأس، وتشير إلى تقصير المؤسسات الصحفية تجاه الصحفيين.. البنوك لا تتعامل مع الصحفيين عندما يطلبوا خدمات البيع بالتقسيط سواء لشراء السيارات أو أي نوع آخر من الخدمات التي تتطلب ضمانات تتعلق بالمؤسسة التي يعمل فيها طالب الخدمة.. هل نطمع في بناء مؤسسات صحفية بحيث تصبح كتلة صناعية قوية متعددة العمليات الإنتاجية، تستوعب الأساليب الحديثة في المجال بما يحقق القدرة والكفاءة الاقتصادية.. فقط دعونا نحلم.
(2)
الصحفيون يكتبون ليعبروا ليس عن ذواتهم فحسب ولكن عن ضمير المجتمع وعن أؤلئك الذين ينظر إليهم المتسلطون (الأذكياء وغير الأذكياء منهم) باعتبارهم رعاع ودهماء.. الكتابة أيضاً تلبية لحاجة الإنسان إلى وسيلة مفهومة للتعبير من دون كلام عن أشياء متعددة يريد إعلام الآخرين بها وإشعارهم، كالإفريقي الذي يقتفي أثر طريدة فيجعل كومة من أوراق الشجر والأعشاب على الطريق الذي يسلكه حتى لا يطاردها رجل آخر من قومه.. الإنسان القديم كان (يكتب) رسائل كاملة بهذا الأسلوب البدائي.. (الأذكياء) من الحكام والمتسلطين يتركوننا نتكلم ونتكلم لأن مستشاريهم يقولون لهم دعوهم ليخرجوا الهواء الساخن ثم يبقى الحال هو الحال.. أما الحكام الذين يتكئون على آرائك البلادة فهم أؤلئك الذين يمنعون الطعام والكلام عن مواطنيهم في آن واحد، وهذه البلادة تقذف بهم وراء الشمس.. حتى (ذكاء) أولئك لا يبقيهم إلى الأبد في كراسيهم ولكن إلى حين ميسرة.
• آخر الكلام:
أيُّها الباكي رويداً لا يسدُّ الدمعُ ثغرَهْ
أيُّها العابسُ لن تُعطَى على التقطيبِ أُجْرَهْ
أُريد للنقاش أمس الأول في ملتقى (حقوق وواجبات الصحفي) أن يدور حول تلازمية الحقوق والواجبات، أي أن الحديث عن إحداهما يتطلب بالضرورة الحديث عن الأخرى.. لكن رياح لجنة ترقية أخلاقيات المهنة بالمجلس القومي للصحافة التي نظمت الملتقى لم تأت بما تشتهي.. غضب جام تدفق سيولاً جارفة وهواءً ساخناً خرج من قلوب الصحفيين المكلومة بسبب تعطّل أو تعطيل صحفهم و(زوغة) الناشرين من دفع حقوقهم وتركهم تحت الشجرة يجترون مراراتهم.. من الطرائف ذات الدلالة العميقة أن معظم الصحفيين الذي قدموا مداخلات (من رئيس تحرير وحتى أصغر محرر) كانوا يقدمون أنفسهم بأنه من صحيفة كذا المتوقفة أو الموقوفة؟!.. الواقع الصحفي المأساوي جعل الحديث عن الواجبات (ترفاً).. شخصياً أعتقد أن تقصير الصحفيين تجاه واجباتهم سببه في الغالب نكوص الجهات المعنية عن مهمة تبصير الصحفيين بواجباتهم وتدريبهم على القيام بها.. أما التقصير تجاه حقوق الصحفيين يتحمله الناشرون ومن قبلهم الدولة التي لم تُبد حتى الآن ولو مجرد مشاعر كاذبة تبين حزنها وتأثرها بما يجري، دعك من أن تكون مشاعر صادقة تتلوها خطوات عملية في طريق الإصلاح.. قناعتنا أن الحكومة تتمنى لو أن مقبرة جماعية ضمت كل الصحف ولتصمت إلى الأبد!!.. والحكومة بهذه العقلية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تسهم في إقالة عثرة الصحافة.. في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية التي يعيشها الوطن، تبقى الصحافة في دائرة المعاناة حيث تتداخل عوامل متباينة ينتج عنها ضعف في أداء الكوادر المهنية وغياب للتأهيل أثناء الممارسة، وهو عصب الارتقاء والتطور المهني.. ولعل أهم كوابح حصول الصحفي على حقوقه ضعف المؤسسات الصحفية والحقل الصحفي اليوم مكان غير جاذب للكفاءات الصحفية.. المشكلة أن محاولات إصدار الصحف ظلت فردية وهي محاولات لم تتجاوز بعد مفهوم التجارة التقليدية، مما يسمى دارجاً بـ(الكناتين) أو (الدكاكين)، الأمر الذي جعلها فقط ملاذاً أخيراً لمن لا ملاذ له، ومهنة من لا مهنة له.. دراسات الجدوى الخاصة بإنشاء الصحف تتسم في كثير من الأحيات بعدم الواقعية.. ما بني على باطل فهو باطل، فهذا الواقع يشير إلى أن خللاً كبيراً في أهم حقوق الصحفي وهي المخصصات المالية من راتب وبدلات.. الإحصاءات في مكتب العمل تشيب الرأس، وتشير إلى تقصير المؤسسات الصحفية تجاه الصحفيين.. البنوك لا تتعامل مع الصحفيين عندما يطلبوا خدمات البيع بالتقسيط سواء لشراء السيارات أو أي نوع آخر من الخدمات التي تتطلب ضمانات تتعلق بالمؤسسة التي يعمل فيها طالب الخدمة.. هل نطمع في بناء مؤسسات صحفية بحيث تصبح كتلة صناعية قوية متعددة العمليات الإنتاجية، تستوعب الأساليب الحديثة في المجال بما يحقق القدرة والكفاءة الاقتصادية.. فقط دعونا نحلم.
(2)
الصحفيون يكتبون ليعبروا ليس عن ذواتهم فحسب ولكن عن ضمير المجتمع وعن أؤلئك الذين ينظر إليهم المتسلطون (الأذكياء وغير الأذكياء منهم) باعتبارهم رعاع ودهماء.. الكتابة أيضاً تلبية لحاجة الإنسان إلى وسيلة مفهومة للتعبير من دون كلام عن أشياء متعددة يريد إعلام الآخرين بها وإشعارهم، كالإفريقي الذي يقتفي أثر طريدة فيجعل كومة من أوراق الشجر والأعشاب على الطريق الذي يسلكه حتى لا يطاردها رجل آخر من قومه.. الإنسان القديم كان (يكتب) رسائل كاملة بهذا الأسلوب البدائي.. (الأذكياء) من الحكام والمتسلطين يتركوننا نتكلم ونتكلم لأن مستشاريهم يقولون لهم دعوهم ليخرجوا الهواء الساخن ثم يبقى الحال هو الحال.. أما الحكام الذين يتكئون على آرائك البلادة فهم أؤلئك الذين يمنعون الطعام والكلام عن مواطنيهم في آن واحد، وهذه البلادة تقذف بهم وراء الشمس.. حتى (ذكاء) أولئك لا يبقيهم إلى الأبد في كراسيهم ولكن إلى حين ميسرة.
• آخر الكلام:
أيُّها الباكي رويداً لا يسدُّ الدمعُ ثغرَهْ
أيُّها العابسُ لن تُعطَى على التقطيبِ أُجْرَهْ
تعليقات