أمواج ناعمة
مرحبا بالنموذج التركي
د. ياسر محجوب الحسين

بعض الكتاب العرب يحذرون دون استحياء من تنامي النفوذ التركي، وفي المقابل لا يهمهم تنامي النفوذ الأمريكي أو الغربي أو حتى الصهيوني.. الجماهير الحاشدة التي خرجت للترحيب والهتاف باسم رجب طيب أردوغان في مصر وليبيا، هذا الشهر أصابت البعض بفوبيا ما يسمونه بالوجود التركي أيام الدولة العثمانية.. الصورة الأكثر دلالة التي أثارت ثائرة البعض صورة أردوغان وهو يشبك يديه بأيدي قادة "المجلس الوطني الانتقالي" أثناء صلاة الجمعة في طرابلس.. خوف هستيري من نجاح أردوغان في تسويق تركيا كنموذج ديمقراطي ناجح لإخوانه من المسلمين. فباعتباره زعيماً منتخباً يحكم دولة مسلمة، وديمقراطية مزدهرة، يصور أردوغان نفسه على أنه في موقع فريد يسمح له بتشجيع الانتقال المنظم من الأوتوقراطية إلى الديمقراطية.. أردوغان اتخذ موقفاً صلباً ضد إسرائيل التي يتهمها بقمع الشعب الفلسطيني واضطهاده وانتهاك القانون الدولي، مع ذلك لم يطرب أولئك.. مرحبا بالنموذج التركي وأي نموذج هو.

لو قلنا أن أردوغان رئيس وزراء تركيا معجز كثير من حكامنا، عربا وعجما في محراب المواقف السياسية لما قلت شططا.. الرجل صاحب المقولة الشهيرة: "المساجد ثكناتنا، والقباب خوذنا، والمآذن حرابنا والمؤمنون جنودنا".. مواقف سياسية كثيرة تبين معدن الرجل رغم البراغماتية التي يوصم بها.. اقتصاد تركيا قفز إلى المرتبة (17) عالميا بفضل سياسة حزب العدالة والتنمية وبلغت نسبة النمو 9% وهي نسبة نمو الاقتصاد الصيني العملاق القادم بقوة.. في عام 2001 كانت تركيا على وشك الافلاس وأحبط الأتراك بسبب تزايد معدل البطالة وانخفاض مستوى دخل الفرد الذى بلغ حينئذ 3 آلاف دولار سنويا، وفى عام 2010 ارتفع متوسط دخل الفرد الى 12 الف دولار سنويا (فى مصر اقل من ألفي دولار سنويا)، وصنفت تركيا كثالث اكبر دولة صناعية فى اوروبا، واعتبرت شركات المقاولات والانشاءات التركية هى ثانى أقوى الشركات أداء على مستوى العالم فى أعمال البناء.. خارجيا استطاع أردوغان احداث اختراق في علاقاتاته مع الشعوب العربية وليس الحكام عبر مواقفه القوية تأييداً للقضية الفلسطينية وكسر الحصار على قطاع غزة.. كان أوردغان يوما أعجوبة منتدى دافوس.. ذلك المنتدى الذي سمح للصهيوني شمعون بيريز ليقول أنه يفعل ما يشاء ومايريد في غزة وسط تصفيق الحضور وهو يكلمهم عن بربرية جيشه.. فأمطرهم بالأكاذيب والمغالطات.. ماذا قال بيريز بوقاحة لأردوغان: هل كنت ستسكت لو أن أستانبول قذفت بصواريخ؟! وكأن إستانبول تحتل أرضاً وتجوع شعباً وتقتل الأطفال والنساء!!، لكن أوردغان غضب للغمز واللمز الذي وجهه بيريز للمسلمين وهو ينظر إليهم بدونية واحتقار.. رغم غضب لرجل إلا أنه كان هادئ الفورة فقال كلاما مازالت تتردد أصداؤها في الخواطر المكتوية بالانهزامية.. من خلال منطق آسر تحدث أردوغان مذكراً بفضل الدولة العثمانية على اليهود أيام الإضطهاد والتعذيب الأوربي. وأدان بشجاعة يحسده عليها الحكام العرب الغرب الذي صفق لبيريز وهو يدافع عن تلك الفظائع التي لم تستنهض ضميرا.. أردوغان كان يتحدث في ذلك المنتدى المشبوه بصعوبة بسبب التشويش والمقاطعة، فكان المشهد صورة طبق الأصل لذلك الفصل المدرسي عندما يثير الحُساد من التلاميذ الضوضاء للتشويش على زميلهم الذي يتميز عليه بالذكاء.. في ظل ذلك الجو الطفولي خرج أردوغان من ذلك المنتدى.. خرج وعقد مؤتمراً صحفياً قال فيه مايريد قوله بدون مقاطعة.. خرج أردوغان لأنه سيد نفسه.. أردوغان عاد من دافوس إلى بلاده قائدا عظيما بعد أن وضع النقاط على الحروف وقال ما لا يقدم على قوله زعيم عربي جهراً.. إسرائيل عنده كيان قبلي مجرم، يرأسه المجرمون.. المجتمع الدولي منافق ومتآمر.. وذكر أنه من أمة يجب أن يتكلم معها بيريز وأشباهه بأدب.. على حكامنا أن يرتشفوا من أردوغان الرحيق ويحفوا به كما تحف أمواج النحل بالأزاهير.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة