أمواج ناعمة
أقلام في سوق النخاسة!!
د. ياسر محجوب الحسين
مع اقتراب
التعديل الوزاري وبلوغ قلوب المستوزرين حناجرهم يقع البعض في بركة سوق النخاسة ويبعون
أقلامهم بثمن قليل بخس دون أن يطلب منهم ذلك أحد في كثير من الأحيان.. بعض الموظفين
وماسحي الأحذية يحركون تلك الأقلام للنيل من فلان وعلان ورفع أسهم زيد وعبيد وفي
كثير من الأحيان تكون الطبخة سيئة الاعداد وبلا طعم ومكشوفة للصغير قبل الكبير..
المجلس القومي للصحافة مطالب بقراءة ما بين السطور وليس الاكتفاء بقراءة السطور
فحسب فما بينها أدهى وأمر.
عندما تطفح بعض الكتابات الصحفية بشعور متضخم
بالذات تنـزوي قيمة المسؤولية الصحفية وتتنحى جانبا.. فيُطلق العنان لحالة نرجسية
تتلبس الكاتب وهالة من القوة الوهمية فيغدو مثله مثل تلك الضفدعة المسكينة التي تملأ
نفسها بالهواء كي تظهر أكثر ضخامة أمام الآخرين وهي تفعل ذلك ظنا منها أنها بذلك تخيفهم
وتنجو بضعفها.. وجه الشبه أن لدى أصحاب الذات المتضخمة نزعة حيوانية مكنونة بداخلهم
تظهر حينا بعد حين عندما يسيطر خلل في تكوينهم النفسي والإحساس بالنقص أمام الآخرين
فيلجأ أحدهم إلى سلوكيات الحيوان لإشباع هذا النقص اعتقادا منه بأنها المنقذ له في
حل مشاكله أمام الآخرين.. إنها حالة بعض الأقزام الذين يريدون مناطحة العمالقة.
ليست الكتابة وسيلة تعبير فحسب، وانما التزام وأمانة وقد يمتد مفهوم هذا
الالتزام ليشمل الكثير من المعاني فمثلما يرى
نزار قباني إن مهمته كشاعر تجعله مسؤولا
عن كل نخلة، وعن كل عصفور، وكل فلاح، وكل صياد سمك، وكل طفل ذاهب إلى المدرسة، من طنجة
إلى رأس الخيمة؛ فالكاتب أحيانا يرى في نفسه مسؤولا عن حادث سير هنا، أو شجار هناك،
حتى ليظن أن مهمته الصحفية تعادل مهمة ولي الأمر، هكذا جاء مصطلح السلطة الرابعة.
بالطبع قد لا نتفق مع من يضع الكتابة في قالب فلسفي شاطح ويدعي أنه يلجأ
إليها ليخفف من وطأة معاناته وقلقه، فينقل تلك المعاناة من أعماقه إلى أعماق الورق
بل يدعي أنها كفاحه من أجل البقاء!!، لكن أن تكون الكتابة من أجل محاسبة الذات
فذلك أمر يتسق مع العقل والمنطق لأن محاسبة
الذات ليست ببعيدة عن الكتابة للآخرين فعندما يكتب الكاتب إنما يحاسب نفسه أولاً ومن
ثم المجتمع من حوله.. والكاتب الصادق مع نفسه ومع الآخرين ينبغي أن لا يكون مصداقاً
للآية الكريمة التي تتحدث عن تلك الفئة من الناس؛ فئة الذين يقولون مالا يفعلون! فقد
نجد البعض ممن يمتهنون الكتابة الصحفية تنطبق عليهم الآية الكريمة "يا أيها الذين
آمنوا لِم تقولون مالا تفعلون، كبر مقتاً عند الله أن تقولوا مالا تفعلون". (الصف23)..
نعم الكتابة مسؤولية جسيمة وإلا ما فائدة اعتكاف الكاتب أو الصحفي في مكتبه يسطّر النصائح
والتوجيهات للآخرين، من غير أن يطبقها هو في نفسه أولا؟.. وإلا سبقى واحدا من
الضفادع الصحفية منتفخة الأوداج.
نقل عن الخليفة عمر بن عبد العزيز - رحمه الله
– أنه بلغه أن ابنه اشترى خاتما بألف درهم فكتب إليه: إنه بلغني أنك اشتريت خاتما بألف
درهم، فبعه وأطعم منه ألف جائع، واشتر خاتما من حديد بدرهم، واكتب عليه "رحم الله
امرأ عرف قدر نفسه".. إن إدراك الذات أمر عارم المشقة لكنه يعتبر أرقى أنواع الإدراك،
هكذا يقول العلماء والنفسانيون، فالنفس الإنسانية لا يَطلب لها العافية إلا من أدرك
ما بها من أدواء، وما نزل بها من بلاء، فأول الشفاء هو الإحساس والاعتراف بالمرض، لأن
الشعور بحقيقته أول مراحل الكمال.
عواقب تضخم الذات كبيرة وعظيمة لأن دوام الحال
من المحال فكم من شخص انطفأت من حوله أضواء المجد والسلطة وأبهة النعيم وزخارفه،
ولنتمعن في قول الشاعر:
ولقد أراني والليوث
تخافني ** وأخافني من بعد ذلك الثعلب
تعليقات