أمواج ناعمة

مؤتمر جوبا وخليج الخنازير

د. ياسر محجوب الحسين

في العام 1962م شهدت الساحة السياسية الدولية قصة طريفة وبها في نفس الوقت كثير من العبر لمن يعتبر.. طرافة القصة جعلتها عالقة في الأذهان بل حتى عند أولئك الذين لم يولدوا في ذلك التاريخ من أمثالي فقد ظلت ذاكرتهم تجترها في محاولة لاستبانة وفهم تفاصيلها المدهشة.. في ذلك التاريخ والحرب الباردة على أشدها توجهت قطع من الاسطول الامريكي للقيام بعملية انزال على شاطىء خليج الخنازير وهو خليج استراتيجي شهير له تاريخ وجغرافيا بديعة يجاور شبه جزيرة وقد كوبا نسب (ظلما) إلى الخنازير.. كوبا التي ظلت شوكة حوت في حلق أمريكا حتى اليوم كانت المستهدف بالعدوان.. القوات الأمريكية (المفترية) كانت تعوّل على آلاف المعارضين المأجورين لتكون رأس حربة لقلب نظام فيدل كاسترو لكن الهجوم البرمائي على خليج الخنازير فشل فشلا ذريعا باعتراف الرئيس الأمريكي آنذاك جون كنيدي الذي تملكه إحساس طاغ بخيبات أمل عظيمة.
في جوبا ربما يختلف الوضع اليوم في بعض مفرداته لكنه يتفق في كثير من تفاصيله.. هناك حيث تأتمر بعض الأحزاب لشن (غزوة) تحمل بين أحشائها كل أسباب الفشل.. مؤتمر جوبا الذي تعثر بالأمس للمرة السادسة وربما للمرة السابعة ليس الغرض منه كما يزعم عرابوه مناقشة قضايا السودان.. بل البعض يحلم بقلب نظام الحكم أو في أحسن الأحوال محاكمته لأنه أقام السدود وبسط السلام وأخرج البترول وهلمجرا.. وهلمجرا هذه ذكرتني بحقبة السيد الصادق المهدي والشئ بالشئ يذكر فلم تكن تخلوا خطبة من خطبه الطويلة الرتيبة العجيبة من هذه العبارة التي طالما استخدمها السيد (أبوكلام) حتى كلّ متنها دون أن يكلّ متنه.
كبار أئمة الفشل السياسي اختاروا جوبا مرتعا لهمزهم ولمزهم.. سياسيون انتهت صلاحيتهم السياسية من كثرة اخفاقاتهم وشطحاتهم، الشئ الوحيد الذي يجمع بينهم انسداد آفق العمل السياسي الشريف أمامهم ومصيبتهم والمصائب يجمعن المصابين أنهم أرادوا مجتمعين استخدام الأسطول الأمريكي أقصد الحركة الشعبية من حيث يضرون أنفسهم ويضيفون هزيمة سياسية لهزائمهم الكثيرة، وفي المقابل كذلك أضرت الحركة الشعبية بنفسها وبشراكتها مع المؤتمر الوطني حيث ظنت خطأً أنها تلعب (بوليتيكا) لكنها في الواقع تلعب بالنار وبالبيضة والحجر، ومثلُها كمثل فريق كرة درجة أولى تنازل طوعا عن قمته ليلعب مع فرق (السنترليق) فلا يسلم جسده من اصابة أو كدمة لأن اللعب هناك (دافوري) ولا عزاء للعب الرفيع والنظيف.
ألا ليت شعري وعثرات المؤتمرين الفاشلين عديدة فإن كل تأجيل للمؤتمر ينقذه من الموت الزؤام ويبقيه في حالة الموت السريري.. فالمؤتمر الذي عانى بالأمس من خلافات بين القوى السياسية المشاركة فيه حول الأجندة التى ستيم مناقشتها يقف على جرف هاوٍ مأزوم بجملة تناقضات وخلافات فتاكة نقلتها له الأحزاب العليلة أصلا، ولذا لم يكن انكشاف أمر ما تضمره أحزاب المؤتمر بما فيها الحركة الشعبية بسبب خلافاتها أمر متوقع لأنه عندما يختلف اللصوص ينكشف المسروق. اليوم جوبا وهي تئن من تكاثر الفاشلين عليها، أضحت مدينة مغلوبة على أمرها تستبد بعشاق المؤامرات.. مناوي، باقان، الترابي، الصادق، مبارك، نقد وآخرون يحتويهم قلق تكاد تسمع صريره وهو يأكل الوقت.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة