أمواج ناعمة
سخرية القذافي.. تكنيك مطلوب
د. ياسر محجوب الحسين

لا تمشي بحذر في مسرح السياسة الدولية وفي قاعات الأمم المتحدة ذات الديكور والألوان الباهتة الباعثة على الضجر والكآبة.. ولاتجري لاهثا لترتمي بين أحضان القوى العظمى لأنها حتما ستسخر منك عندما تتعثر.. هذه نصائح أخذها وطبقها بجدية وصرامة الزعيم معمر القذافي.. كان خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل يومين (عرضاً مسرحياً هادفا) وتضمن سخرية مطلوبة كسر بها الالتزام الزائف بقدسية الأمم المتحدة.. القذافي قدم خطابه (ببراعة) مستمدة من خبرة (40) عاماً قضاها حاكما على ليبيا.. الأداء (المسرحي) أعاد للعالم أجواء زعماء أمثال نيكيتا خروتوشوف وهو يدق الطاولة في ذات الجمعية سنة 1960م بحذائه، ذلك الحذاء الشهير الذي لم يتفوق عليه في الشهرة إلا حذاء منتظر الزيدي، كما تذكرنا أيضا أثنا ذلك الخطاب العاصف أسماء مثل نلسون مانديلا وفيدل كاسترو وياسر عرفات أولئك الذين ظلمهم النظام العالمي الذي جثم على الصدور بعد الحرب العالمية الثانية.
في أول كلمة له أمام ذلك المحفل الدولي، مزّق القذافي جزءا من ميثاق الأمم المتحدة، وقذف بالكتاب الأبيض بحركة (اكروباتية) في الهواء عاليا!!.. يا لها من "لحظات كلاسيكية" ستبقى محفورة في تاريخ الجمعية العامة.. القذافي تحدث لنحو ساعة ونصف كاملة متجاوزا الزمن المحدد له بربع ساعة ومع ذلك لم يكن خطابه المرتجل الأطول في التاريخ أو حتى قريباً من الرقم القياسي الذي يحمله الرئيس الكوبي فيدل كاسترو السابق الذي تحدث لأكثر من 4 ساعات في ستينات القرن الماضي أمام الجمعية العامة.
نستطيع أن نزعم أن العرض (المسرحي) والأسلوب الساخر كان أفضل تكنيك يستخدمه زعيم ليلفت النظر بل يحرك مياه الأمم المتحدة الراكدة ويسلط الأضواء على الخلل القيمي في أدائها.. أكثر من "65 حربا" اندلعت منذ إنشاء الأمم المتحدة منذ 60 عاما تثبت أن المبادئ التي تأسست عليها المنظمة الدولية قد تعرضت للخيانة هذا ما أكدته القذافي.
ربما كان الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، أحد الذين خسروا الأضواء لصالح الزعيم القذافي، وهو الذي كان صاحب مثل هذه المواقف لكن القذافي أتى بما لم تأت به الأوائل.. حتى الرئيس الأمريكي باراك أوباما لم يستطع خطف الأضواء من القذافي وهو الذي طالما سحر الناخبين الأمريكيين وصفق له المسلمون في تركيا ومصر كثيرا!! يقال أنه كرر في خطابه كلمة "أنا" 50 مرة.
القذافي لم يتمكن ربما لأول مرة من نصب خيمته بسبب التحرشات والكيد الطفولي من قبل السلطات الأمريكية، لكنه في نظر الكثيرين قدم خطابا خاليا من النفاق السياسي وتحصل على لقب (صوت المستضعفين في الأرض).
· يقول نابليون بونابرت.. عذاب الحذر يتجاوز عادة المخاطر التي نتجنبها.
تعليقات