أمواج ناعمة
الطيب صالح.. حزن في النفس دفين
د. ياسر محجوب الحسين

إنه حزن لعمري في النفس دفين.. عبقري الرواية العربية بل الرواية العالمية الطيب الصالح يغادر دنيانا.. من من بعدك يا صالح يكتب لنا عن الأصالة ومراتع الصبا وينقل لنا عبق الماضي الجميل.. من يكتب لنا عن الزين ومريود وشيخ الحنين وحسنة بت محمود.. فؤاد الوطن أصبح اليوم من بعدك فارغا.. بالأمس كنت تمشي بيننا أما اليوم فنسْتلُّ ذكرى أُغمِدَتْ بدموعنا.
كل أمريء يصبح في أهله ** والموت أدنى من شراك نعله
اقول لفقيدنا والدمعُ يغسلُ أحرُفي أن محبيك والمتأسون بك والمتخلقون بأدبك الذين خرجوا أرسالا معزين لا عزاء لهم إلا ما تركته لهم من كنوز أدبية رفعت اسم السودان عاليا.. إن العالم الذي يُخسر الميزان لم يعطك حقك، فمن أعظم منك لينال جائزة نوبل للآداب.. أنت لا تستحقها لأنك لم تطعن في الاسلام!! أو تبدي أمعية فكرية ومظاهرة للفكر الغربي، ولأنك كذلك لم تروج للاباحية!!.. أنت لم تنل نوبل للآداب كما لم ينل علي عثمان محمد طه نوبل للسلام لأسباب مماثلة..
لم يعرف عنك أيها الصالح وأنت في الغربة إلا وطنية صادقة وحنين وثّاب إلى الأهل والأصدقاء ولسانك رطب دائما بقول الشاعر:
إن جسمي كما علمت بأرض ** وفؤادي وماليكه بأرض
وبما فطرك الله عليه من صفاء نفس ونبل عاطفة كان لك رأي سديد عندما تحررت من الدعاية المضادة للأوضاع في السودان.. كان لك موقف نبيل داعم للمشروعات التنموية فأخذ البعض عليك المآخذ لكنك لم تلتفت إلى ذلك لا كثيرا ولا قليلا.. هناك في الشمال ذهبت لترى بعينك مشروع السد العملاق، وبعد الزيارة جلست وأنت ترقب نهر النيل يتدفق هادئا ومتعبا من رحلته الطويلة وفيما نظرك مركز على ظلال الغروب النازلة على أرض الشمال الخضراء والنخيل الباسقة المستعدة لاستقبال الليل لحظ مرافقك ثغرك وهو يفتر عن ابتسامة كضوء الفجر، لقد كنت سعيدا أيما سعادة بمشروع السد وقلت اليوم أن مطمئن على مستقبل وطني لتمضي هذه القيادة في طريق التنمية.. ألا رحم الله أديبنا وعظيمنا الرجل المرهف الاحساس الطيب صالح.
تعليقات