أمواج ناعمة
أنين الصمت
د. ياسر محجوب الحسين
وسط الضجيج يرحل صديقي عبر الأيام.. ويبحر ملء الذكريات يراجع أحلاما تكسرت أجنحتها وحطت على الأرض.. كلا لم تكن أحلاما خيالية أو نوعا من اليوتيبيا بل كانت أحلاما متسوّرة بأسوار العقلانية والرويّة.. اليوم ينـزوي بعيدا من صخب الحياة الى صمت النسيان، ومن الحفاوة التي أحاطتها أمجاده إلى مرارة التجاهل.. اليوم ترحل الحكمة بوقار الصمت دون أن تُشعر أحدا.
إنه التقدم الى الخلف.. يقف بينه وبين تطلعاته سور من انانية وأطماع رفاقه.. أدبه الجم وروحه المتصالحة منعته من الالتحام معهم والظفر بحقوقه.. لم يكن أمامه إلا العزف على انين صمته لحن الحزن في خلوته.. ألحانه تسربت عبر الجدران فطرقت سويداء القلوب وفتحت مغاليقها.
كان صديقي جوادا بالمال في موضع الحق بخيلا بالأسرار عن جميع الخلق.. كان خير الناس لأنه كان يفرح لهم حين يصيبهم الخير.. صنع الخير فبقى له حمده.. أما الأصدقاء الأعداء لايبالي بتربصهم لأنه يؤمن بأن من لا تنفعه حياته لا يضُرّه موته والموت مسيار وطوّاف لا يستثني أحدا ولا يستأذن من أحد.. لقد كان صبّارا على ما ينوبُنه وحسبه أن الله أثنى على الصبر.
لم يكن يظن أن عودته ستكون بطعم العلقم.. عاد ليجد أن رياح التغيير قد هبت على كل شيء مغيرة معها معالم كل شيء.. كل هذه التطورات لم تكن موجودة بهذه القوة قبل أن يغادر, وهي تطورات لم تخل من تأثيرات ايجابية أو سلبية.. تأسّف وتحسّر لأن التغيرات الايجابية طالت عرض الدنيا الزائل فحسب بينما طالت السلبية منها التفكير والقناعات والسلوك!!
لم يبق له غير مواساة نفسه.. عليك بالعلم النافع، فكلَّما اتَّسع علم العبد انشرح صدره واتسع.. اقبل على حب الله بكلِّ القلب، والتَّنعُّم بعبادته.. أحسن إلى الخلق بأنواع الإحسان والنَّفع لهم بما يُمكن، فالكريم المحسن أشرح الناس صدراً وأطيبهم نفساً، وأنعمهم قلباً.. كن شجاعا في قول الحق فإِنَّ الشجاع مُنشرح الصدر متَّسع القلب.. دع زيادة النظر وزيادة الكلام، وزيادة الأكل والنوم، فإِنَّ ترك ذلك من أسباب شرح الصدر، ونعيم القلب وزوال همه وغمِّه.. أنظر إلى من هو دونك ولا تنظر إلى من هو فوقك في العافية وتوابعها والرِّزق وتوابعه.. توكّل على الله وأحسن الظنِّ به سبحانه وتعالى، فإِنَّ المتوكّل على الله لا تؤثِّر فيه الأوهام.
08/05/2009
تعليقات