أمواج ناعمة

التسلط والأنانية.. الداء والدواء

د. ياسر محجوب الحسين

لحبّ التسلط والفساد في الأرض عواقبه العظيمة.. وفي التاريخ – الذي لا نعتبر به - قارون كان ثريا مستكبرا ومتسلطا وأنانيا، فخسف به الله الأرض عقابا له جزاءً وفاقا يقول الله تعالى: ((فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ)) القصص (81).. فالعلو والاستكبار مرتبطان بالضرورة بالفساد، ومن يحرص على تجنب هذه الصفات فقد وعده الله تعالى بالجنة، إذ يقول: ((تِلْكَ الدَّارُ الاَْخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِى الاَْرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالْعَـقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)) القصص (83).
وفي واقعنا اليومي يُعايش الكثيرون ويعانون التسلّط والعلو في دوائر العمل المختلفة، فالمسؤول الُمتسلّط يعتمد بشكل عام، على مبدأ الحفاظ على ما هو قائم ويرفض أي تغيير يهدد مكتسباته، فهو يعمدُ إلى قمع كل إبداع حقيقي بوصفه دعوةً للتغيير، ويجمّد الخيال بوصفه نوعاً من الحلم بواقع جديد.. فالسُلطة تأخذ في اعتبارها دائما المصلحة الخاصة للقائم عليها حتى يستمر وجوده، لذلك نجده يجترح أساليب غريبة لاحتواء الإبداع.. فالمتسلط رجل تحكمه مجموعة من العقد لا تحل ولا تفرج..
والأنانية أيضا من التسلّط وهي حب النفس المطلق.. يقول الفيلسفوف الإنجليزي توماس هوبز: "إن الإنسان ذئبٌ لأخيه الإنسان" فالناسُ تتقاتل فيما بينها لأن كل واحدٍ يبحث عن مصلحته دون سلطة تكبح جِماحه. لكن جان جاك روسو وهو فيلسوف فرنسي انتقد هوبز في فكرته تلك وقدم بدلا منها فكرةً أخرى وهي "إن الإنسان طيب بطبعه ولكن المجتمع هو الذي يُفسده".
سواء اتفقنا مع هوبز أو مع روسو، فإن الإنسان الأناني يمثل حالةً مرضيةً في حياتنا الاجتماعية.. ولذا عملت التربية الإسلامية على تحرير الإنسان من الأنانية, وعبادة الذات, وتصحيح سلوكه على أساس توازن العلاقة بين الأنا وذات الآخرين, لتتوازن الحياة الاجتماعية.. وكم هو بديعٌ ما أوصانا به الرسول صلى الله عليه وسلم كأساسٍ لبناء السلوك.. في قوله:"لايؤمن أحدكُم حتى يحب لأخيه مايحب لنفسه".
فالإيمان الحقيقي لايتحقق إلا إذا أحبننا للآخرين مانحبه لأنسفنا, وكُره لهم مانكرهه لها, عندئذ نتحرر من الأنا وعبادة الذات, ونفكر في مصلحة الجماعة.. ولاتقف التربية الإسلامية الى حد الموازنة بين مصالح الذات ومصالح الآخرين، بل تتسامى دعوتها الأخلاقية إلى أن تُربي الإنسان على الإيثار.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة