أمواج ناعمة
الحزن وفلسفة السعادة
د. ياسر محجوب الحسين
كم يؤرق الحزن فينا جفونا ويريق من العيون عيونا.. حين نسْتلُّ ذكرى أُغمِدَتْ بتجارب مريرة.. إنه حزن لعمري في النفوس دفين لا يسمح بالتعبير ولا التصوير.. يضيق الصدر ولا ينطلق اللسان.. يقولون أن الحزن سواد يرخي سدوله على القلب، كما يغشى الليل الدنيا كل مساء، وهو أن يتوقف قلبك عن النبض عندما تحتاج إلى تلك الدقات القلائل لنتمكن من مقاومة انحدار الدموع.. إنها لحظة عين تنساب خلفها دمعة حرى.. الحزن احساس قاتل يزعجك من الماضي، ويخوفك من المستقبل ويذهب عليك يومك.. فهو ينقبض له القلب، ويعبس له الوجه وتنطفيء منه الروح، ويتلاشى معه الأمل.. ولعل أسوأ ما في الحزن أنه يسرُّ العدو، ويغيظ الصديق ويُشمّت بك الحاسد.
لكن ما هي السعادة نقيضة الحزن؟ يقول الفارابي: "السعادة هي غاية مايتشوقها كل إنسان، وأن كل من ينحو بسعيه نحوها فإنما ينحو على أنها كمال أقصى".. ويلاحظ أرسطو من جهته أن "عامة الناس وحكماءهم يتفقون على جعل السعادة الهدف الأسمى المنشود، لكن الآراء تختلف حالما يتعلق الأمر بتحديد طبيعة السعادة".
السعادة تتحقق عندما نفهم هذه الدنيا الفهم الصحيح.. فالدنيا لا تخرج عن كونها سواد وبياض، مثلما هي قصور وكهوف، وظل وحرور، وغنى وفقر، وقوة وضعف.. لكن أيضا ألا نرى السحاب الأسود كيف ينقشع، والليل البهيم كيف ينجلي، والعاصفة كيف تهدأ؟ فالشدائد إلى رخـاء والعيش إلى صفاء ونعماء.. هذه هي الدنيا.. لكن من فضل الله علينا أن السعيد ليس ذلك الذي تُسعده دنياه، وإنما السعيد الذي ينجو من النار.. فالله منى على قلوبنا بمعرفة أنه الله ذو الآلاء والقدس.
إن فلسفة السعادة الحقة تكون بمعية ربانية.. بين الإنسان وربه إحساس بالراحة والطمأنينة والأنس بالله ومع الله والرضا بقضاء الله وقدره والصبر على السراء والضراء وحب الخير للناس بتمني السعادة لهم كما نتمناها لأنفسنا.. إذن فلسفة السعادة لا تقوم على سعادة الفرد فحسب ولكن تقوم على سعادة الآخرين.. لنذكر دائماً أنه من أراد أن يقطف العسل لا يجب عليه أن يحطم خلية النحل.. قالها الرسول صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"
تعليقات