أمواج ناعمة


أبوكم مين؟.. نميري


د. ياسر محجوب الحسين


لم يكن جعفر نميري حالة عابرة أو استثنائية بالنسبة لجيلنا.. جيل (الطلائع) و(الرواد).. مايو أعملت كثير الأدوات التي تضمن تنشئة جيل كامل على مبادىء الاتحاد الاشتراكي.. لم أحظ بالانضمام إلى الطلائع أو الرواد ربما لأن للوالد أطال الله عمره كان له رأي في الأمر، لكن ذلك كان حلما كبيرا لطفل غض، حلم تسوّر بأسوار الطفولة البريئة.. الزخم الذي كان يحيط بالبرامج الخاصة بالطلائع والرواد وزيهم العسكري المميز كانت حوافز تدفع كل الأطفال لنيل شرف العضوية.
كل الأغاني التي رددها المطربون تمجيدا للرئيس نميري مازال صداها يتردد في أسماعنا.. سيد خليفة غنى (أبوكم مين: نميري).. عبد العزيز داؤود غنى (نقول نعم عشان أولادنا تتعلم) وحتى وردي (يا حارسنا وفارسنا) قبل أن يغير رأيه ويقلب المعنى.. لقد شكّلت تلك الأجواء وجداننا فلم نر رئيسا مثل (نميري) بل كان في نظرنا رجلا يحمل كل صفات الرجولة.. لا أعتقد أن تشكيل صورة ذهنية ايجابية عن نميري في قطاع كبير من الشعب السوداني كان بسبب تخطيط وتنفيذ محكم، بل الأمر يرجع لكاريزما من نوع ما كان يتمتع بها نميري.. شخصية الرجل كانت عاملا أساسيا في خلق تلك الصورة بينما كانت العوامل الأخرى مجرد عوامل مساعدة.
في المرحلة الثانوية اتسع الأفق قليلا ومع جموح أهواء المراهقة كنا نخرج في المظاهرات ربما بدون وعي مرددين (استقيل يا ثقيل) مع حزمة من الشعارات التي حفظناها عن ظهر قلب مثل (لن يحكمنا البنك الدولي).. كان الخروج في مظاهرات (تخريب الممتلكات العامة) نعده رجولة وتحدٍ لنظام نميري وفي ذلك اشباع لغرورنا وفهمنا الساذج لمجريات السياسة.
بالطبع لم يكن نميري سيئا بذلك القدر الذي كنا نتصوره ونحن طلابا في الثانوي، كما لم يكن ذلك (السوبر مان) في كل شئ كما كنا نعتقد ونحن أطفالا.. لكنه كان رجلا سودانيا بسيطا، حاول أن يقدم شيئا لبلاده، وهناك الكثير من الانجازات الماثلة تحدث عن نفسها.. السودانيون عن بكرة أبيهم شيعوهوه بالأمس ولسان حالهم يقول: (ونظهر جفوة من غير حقد).. (وفي القلوب ثمّ هوى دفين).. ألا رحم الله الرئيس الراحل جعفر نميري.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة