أمواج ناعمة


وعن الفاشلين حدّث..

د. ياسر محجوب الحسين

الفاشلون وحدهم هم الذين يجيدون بل يدمنون طبع الخفافيش، حين تسكن الكائنات تتحرك الخفافيش في الظلام وكأنها تستحي من فعلتها أو أنها تخشى عواقب سعيها.. الطبيعة وسنة الله في خلقه جعلت الخفافيش هكذا وهي لا تلام على ذلك بطبيعة الحال.. لكن ما بال بعضنا يعيش بيننا ويعطينا من طرف لسانه حلاوة ويطعننا من حيث لا نراه ويكيد لنا كيدا، ولا تجد قولا مناسبا ينطبق عليهم إلا قول الله عزّ وجل: ".. لا يرقبون فيكم إلا ولا ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم.."، فتأتي المصائب والمكاره من جانبهم وكأنك تعيش في عالم سفلي.. حتى الحمى التي لا تزور إلا في الظلام تتجمل بخصلة الحياء كما وصفها الشاعر العربي الذي بذل لها المظارف والحشايا دون جدوى.
عدم اليقين بالنصيب المكتوب والرزق المقسوم وقود يشعل في الفاشلين نيران الحسد الذي يدمر خزائن الفعل الايجابي في دواخلهم.. وإن غابت القناعة عن مناخ كل نشاط انساني يبدأ الاختلال في حركة الحياة اليومية وتبدأ العمليات الظلامية في التفاعل ويسود الساحة الخداع والتآمر والنفاق والكيد.. الصبر على كيد الحسود كفيل بقتله، فذاك محسود صاحب قدرة كيميائية عالية يضيق صدره لكن لا ينطلق لسانه بقبيح قول دعك من أن تمتد يده بسوء، ويظل الأنينُ هويّته والصمتُ خلخاله وملاذ روحه.. يقول يحيى بن أبي كثير: خصلتان إذا رأيتهما في الرجل فاعلم أن ورائهما خيرا منهما إذا كان حابسا للسانه يحافظ على صلاته.. إزاء هذه القدرة العالية خاب كل جبار حسود مناع للخير زنيم.
ألا ليت شعري وخطوب الفاشلين كثيرة فإن لكل داء دواء، فلم يكن الصبر يوما غير دواء فاعل.. والصبر والصمت صنوان ولابد لكل فائز بهما أن يمتشق نفسا صلبة متفانية.. وترياق هذان الصنوان ليس في تحصين صاحبهما وعونه في الحفاظ على توازنه النفسي فحسب، بل تأثير ذلك الترياق الناجع يمتد إلى الفاشل الحسود نفسه فيتبدل حقده حبا وتربصه ولاءً وقلقه استقرارا.. نسأل الله الهداية والشفاء للمرضى.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة