أمواج ناعمة
قناة الجزيرة.. عبقرية الاستثمار
د. ياسر محجوب الحسين
من المتوقع أن يتُهم بالجنون أي شخص إذا ما طلب 100 مليون دولار من الجهات المعنية لتأسيس مؤسسة إعلامية عملاقة ولتكن فضائية.. فما داعي لصرف هذا المبلغ على مثل هذه المؤسسة التي يظن كثير من أصحاب القرار أن ليس لها أي دور مفصلي على مجريات الأمور.
رغم قناعتي التي تتفق مع قناعات أخرى وهي أن قناة الجزيرة مشروع سياسي بالدرجة الأولى، قبل أن يكون إعلاميا بالدرجة الثانية، إلا أن متابعتي لأحداث غزة المأساوية الأخيرة عبر (الجزيرة) رسخت لدي هذه القناعة.. لقد أظهرت (الجزيرة) قطر باعتبارها الدولة الأبرز سياسيا من بين الدول العربية على الأقل.. بمعالجات إخبارية ذكية حققت (الجزيرة) لقطر الكثير من الاحترام والتقدير.
كان نقل صور طائرات الخطوط القطرية وهي تنتظر في مطار العريش المصري لنقل المساعدات التي تبرعت بها قطر تخلب الألباب في غمرة الانفعال والتأثر بالمجازر التي ارتكبتها اسرائيل (بالمناسبة السودان أرسل كذلك طائرة مساعدات!!)، ونلاحظ على شريط الأنباء أخبار مثل (أمير قطر يجري اتصالات مع زعماء كذا وكذا بشأن الوضع في غزة)، ثم في يأتي خبر آخر بأن طلاب جامعة قطر ينظمون تجمعا وحشدا خطابيا لأدانة المجزة وهكذا.. إذا ما هو الانطباع الذي خرج مشاهدو الجزيرة عن قطر؟ من المؤكد أنه انطباع جيد على الأقل.
لماذا تحرص إدارة القناة القطرية على أن يذكر المذيع عبارة (قناة الجزيرة في قطر) 24 مرة على الأقل بعدد النشرات الإخبارية على مدار الساعة، وربما تُذكر في النشرات الكبيرة عدة مرات عقب الفواصل الإعلانية. توماس فريدمان أحد أشهر الكتاب الأمريكيين بصحيفة نيويورك تايمز يقول: (أن قناة الجزيرة لا تمثّل فقط ظاهرة إعلامية في العالم العربي منذ ظهور التلفزيون بل هي تُعد أكبر ظاهرة سياسية). ويقول محلل آخر أن قطر لن تتخلى عن (الجزيرة) إلا إذا تخلت سويسرا عن بنوكها، وأضيف من عندي أن قطر تصرف على (الجزيرة) كما تصرف الدول العظمى على ترسانتها العسكرية. واستمرارية (الجزيرة) مرتبط بجدواها السياسية قبل جدواه الإعلامية.
عبقرية الاستثمار في (الجزيرة) ليس في وفرة المال وإنما في ضع المال في موضعه الصحيح.. كم من الدول الغنية التي لا تسمع لهم ركزا.. هذه القناة بدأت بـ 100 مليون دولار ومشاهديها بلغوا 50 مليونا.. الحديث عن (الجزيرة) كثير ومثير.. إنها حالة بحثية جديرة بالتأمل والاعتبار.
تعليقات