أمواج ناعمة
فن الجدل
د. ياسر محجوب الحسين
يقول الإمام الأوزاعي: إذا أراد الله بقوم سوءاً أعطاهم الجدل ومنعهم العمل.. مصطلح الجدل أو (فن الجدل) يعني في الأصل فن النقاش والتجادل أي فن الجدل بطريقة الأسئلة والأجوبة أو فن تصنيف المفاهيم وتقسيم الأشياء إلى أجناس وأنواع.. فالجدل له جوانب ايجابية كما له جوانب سلبية، وكما هو ضرورة في بعض الاحيان فإنه في أحيان أخرى لغط ولغو وسقط قول.. لعل أكثر الذين (يتورطون) في الجدل الممقوت هم السياسيون والمتفيقهون وأنصاف المتعلمين.
السياسي الذي يرتفع صوته في المناقشة عليه أن يتوقف عن الكلام، لأن الأمر حينها يبدو سوقياً وغالباً ما يكون غير مقنع.. فالجدال في تلك الحالة مثل الطرق الفرعية لا تعرف أبدا إلى أين ستوصلك.. والأفضل للطرف النبيه أن يحافظ على أعصابه؛ لأن منطقه سوف يعتني بنفسه فلا داعي للصراخ.. ذلك الفليسوف الغربي يرى أن الجدال على ذلك النسق كالأسلحة النارية، يجب أن تحتفظ بها في البيت لا تأخذها معك في كل مكان.
وإذا اعتبرنا الجدال نوعا من الحوار والمحاورة بالحسنى فإن ذلك يقتضي الاحاطة بآداب وشروط مثل هذا النوع من الجدال، وللمناظرة وفقا لذلك التوصيف جملة من الآداب التي ينبغي أن يتخلق بها كل مناظر أو مجادل.. فلابد وأن يكون المتناظران مُتقاربين معرفة ومكانة، حتى لا يؤدي استعظام أحدهما الآخر أو استحقاره له، إلى أن يضعف أحدهما عن القيام بحجته.. كذلك من الضروري أن يُمهل المناظِر خصمه حتى يستوفي مسألته، كي لا يفسد عليه توارد أفكاره، وحتى يفهم مراده من كلامه، كي لا يُقوّله ما لم يقل.. من آداب الجدال الحميد أيضا تجنب الإساءة إلى (الخصم) بالقول أو بالفعل بغيةَ إضعافه عن القيام بحجته، ومن ذلك قلة الإصغاء إليه، والسخرية منه.. ولعل من المهم جدا ألا يدخل المتأدبون بأخلاق الحوار والجدل الحميد في جدال أو حوار مع من ليس مذهبه إلاّ المضادة، لأن من كان هذا مسلكه لا ينفع معه الإقناع بالحجة.. ليس هذا نوع من اليوتيبيا أو جمهورية إفلاطون الفاضلة، لكنها أماني يمكن أن تتحقق.
الانتخابات على الأبواب وساحات المناظرات لا المماحكات يجب أن تفتح ابوابها لمن يدرك هذه المعاني.. لن يكسب فرد أو طرف قلوب الناخبين وأصواتهم بالجدال على طريقة قلب الطاولة.. لننتظر قليلا ربما نرى عجبا!!.
25/07/2009
تعليقات