في ضيافة أمين الجُميّل
أمواج ناعمة
في ضيافة أمين الجُميّل
د. ياسر محجوب الحسين

كثيرا ما نسمع بل نتداول مصطلح الأتيكيت ونعجب به ونراه سلوكا عند الآخرين ونتمنى لو نطبقه على أنفسنا ونرى الآخرين يطبقونه وهو لا شك في المحصلة نوع من الأخلاق والتمدن وهو كذلك حزمة من السلوك تحتمه المدنية ويستحسنه الذوق العام والرأي الجمعي.. والأخلاق لغة هي المحبة والطبع والمروءة وليست كما يفهمه البراجماتية أنها ما يحقق النفع والنجاح فقط!!. الحمض النووي يحدد هوية الانسان والأخلاق أوصاف للإنسان يتعامل بها غيره، وهي نها المحمودة والمذمومة وتمثل في نفس الوقت الصورة الباطنة للإنسان مثل خلقته الظاهرة.. وما لم يلازم مصطلح الأخلاق وصفها بالمذمومة فيعني المتحدث الأخلاق في صورتها المحمودة وهي مالٌ لا خوف عليه.. رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام بعث ليتمم مكارم الأخلاق.
السوداني مشهود له في كل مكان بمكارم الأخلاق.. الشاعر الإماراتي حبيب الصايغ احتفي كثيرا بجمال خلق الشخصية السودانية، أتحفنا قبل سنوات بقصيدة شعرية عصماء امتدح فيها اخلاق السودانيين، وشهد لهم شهادة حق.. ومن ذلك فانه يتخيل فيقول: (ولدت في الخرطوم.. كأنما ولدت في الغيوم)، كثيرون زعموا أنهم لم يسمعوا بقصيدة شعر جرى فيها امتداح السجايا السودانية على هذا النحو الكبير سوى لدى الشاعر الكبير محمد سعيد العباسي.
وإن جاز لنا أن نقسم السلوك الراقي إلى جانب أساسي وآخر مكمل فإننا يمكن أن نزعم أن الأخلاق بمفهوم الصدق والكرم والمروءة هي الجانب الأساسي في السلوك المتمدن بينما يمكن أن نضع الإتيكيت في الجانب المكمّل.. فإن تسنت للشخصية السودانية الدخول في عصر الاتيكيت فإنها ستبلغ شأنا عظيما وشأوا بعيدا.
الاتيكيت وإن شئت رقة الحديث ونعومة المعاملة تميزت شعوب بعينها حتى صارت أمرا ملازما لشخصيتها وإن شئت (ماركة) تجارية، فاللبناني حذق الاتيكيت وحلّق به عاليا في سماوات الفرص الوظيفية والأعمال التجارية.. منذ عدة سنوات كان لي موعدٌ مع الرئيس اللبناني الأسبق أمين الجُميّل لإجراء حوار صحفي معه لصالح صحيفة العرب القطرية حيث زار الدوحة في تلك الفترة.. سمعت من قبل عن رقة ولطافة الانسان اللبناني لكني لم أكن أتصور الحد البعيد الذي بلغته تلك الرقة.. في باب جناحه بالفندق الراقي أستقبلني الرئيس الجُميّل بتواضع جم وترحيب حتى ظننت أن خطأ ما قد حدث في برنامج ضيوفه وظنني وزيرا قطريا (ملونا) أو مسؤولا دوليا.. أجلسني بجواره وقام أولا بتقديم القهوة بنفسه يدا بيد ثم من بعد ذلك وبعد كثير من الكلمات الرقيقة والدافئة قال أنا تحت أمرك أسال ولا تبال.. في نفسي ظللت أردد أي سرّ توفر له فجعل منه إنسانا رقيقا كنسيم الصبح العليل.. مضى الحوار سلسا حتى أخرجت الأسئلة المحرجة في نهاية الحوار.. بالطبع أبدى الجُميّل ضيقا ولكن ليس ضيقا نعرفه وربما نمارسه، فلم يبد غضبا أو ثورة.. بالطبع إلقاء الأسئلة النارية في نهاية الحوارات هو التكنيك يستخدمه المشاغبون من الصحفيين حتى إن غضب الضيف وأنهى الحوار فإنه يكون قد حصل على كثيرا من الاجابات ويمكن أن يولي (هاربا) بجلده وحواره!!
· يقول الفيلسوف أفلاطون "إذا رغبت أن يدوم حبك فأحسن أدبك"
تعليقات