أمواج ناعمة
د. ياسر محجوب الحسين
· ذكرنا بالأمس أن الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب والهلال الأحمر طلب من المجتمع الدولي 95 مليون دولار لمساعدة مليونين ومائتي ألف شخص قال إنهم على حافة المجاعة في كل من جيبوتي والصومال وكينيا وإثيوبيا. وقلنا أن هذا المبلغ الزهيد يمكن أن يخسره بسهولة، أي أوروبي أو أمريكي في ليلة قمار حمراء، أو يبذله ثري عربي بسخاء على اسطبل خيله المنعمة. لكن هذه الدهشة في التلاعب بالمال تراجعت أمام خبر سعي حكومة الجنوب لبناء مصنع بيرة بتكلفة 37 مليون دولار.. نعم ليس مصنعا للأدوية أو مدارس أو مستشفيات، وهذا السعي تعدى مرحلة التخطيط والمراجعة فسكان جوبا (سيستمتعون) بالبيرة في فبراير القادم أي بعد شهرين فقط.. رفعت الأقلام وجفت الصحف.
· ديفيد رعد الشريك الرسمي لشركة ساب ملير ثالث أكبر شركة عالمية في إنتاج الخمور قال أن المصنع سينتج 4,8 مليون جالون يومياً.. لاشك أن هذا التفكير (الاستثماري) الفذ لحكومة الجنوب يسكن المنطقة الدقيقة الفاصلة بين حدود العبقرية والسيريالية.
· إنه إحساس طاغٍ بخيبات أمل عظيمة أن تتحول جوبا إلى مدينة حمراء ومجنونة تستبد بعشاق الليل.. إنهم يريدون أن تطأها أقدام الغانيات.. وتشوهها أيدي العابثات.. أشجار جوبا الباسقة تستعد مرغمة لاستقبالهن ليلا بعد ليل.
· هل يسيغ المنطق الرشيد والعقل السديد أن تذهب هذه الأموال لمزيد من تدمير عماد التنمية وهو الانسان الجنوبي، هذه التنمية التي وعدتنا بها الحركة الشعبية وأغلظة الأيمان أنها تقوم عليها لكننا م نرى شيئا.. لا جواب للتساؤل المرير سوى بيداء الصمت؟.
· بخبرتي الحياتية المتواضعة أرى أن نذر الشّر والفساد تتطاير في الأفق وتتقدم باتجاه الزرع والضرع لتمحق البيادر والحقول.. خاصة وأن الحركة لم تفعل شيئا في الجنوب غير أنها عمقت من واقع التخلف وأضافت عامل القهر والاستبداد.. إنه التيه الرائع والشامل.
صحيفة الرائد 16/12/2008
تعليقات