لغتنا.. وحدتنا وتماسكنا
أمواج ناعمة
لغتنا.. وحدتنا وتماسكنا
د. ياسر محجوب الحسين

من يحارب اللغة العربية في السودان لاشك أنه يحارب وحدته وتماسكة، ويهدف لقطع الصلة بين جنوبه وشماله، بل أن محاربتها فيه تفتيت للجنوب نفسه كوحدة واحدة لأنها هي لغة التواصل الشعبي بين قبائل الجنوب. وهذه ليست مجرد ملاحظة أو أمنية طارئة، فهذا هو السكرتير الإداري البريطاني أصدر منشورا في 25 يناير من العام 1930م قال فيه: "إن من المسلم به أن اللغة العربية أصبحت هي اللغة السائدة في كثير من أجزاء الجنوب، وينبغي بذل كل وسيلة لزحزحتها من مكانتها الحالية التي يعتبرها الجنوبيون لغة رسمية ولغة حضارة يتطاول بعضهم باستعماله". وكلام المستعمر السابق فيه حقيقتان: الأولى انتشار اللغة العربية في الجنوب، والثانية خوف المتسعمر منها باعتبارها وعاءً حضارياً.
واللغة رغم أنها في ظاهرها مجرد تنظيم معين من الاشارات، أو نظام من العلامات الصوتية، لكنها تعتبر وسطا للتفكير ومجالا للتعبير عن الأفكار والعواطف والمشاعر. ومن المؤكد أنها ليست مجرد ألفاظا صوتية لأن الببغاء على سبيل المثال يطلق الفاظا في محاكاته للانسان، إلا أن الله سبحانه وتعالى الى جانب هذه الالفاظ الصوتية زود الانسان بالقدرة على استخدام هذه الاصوات باعتبارها اشارات تمثل المفاهيم الداخلية وجعلها تمثل الافكار للآخرين وقادرة على نقل الافكار من شخص الى آخر.
ونظرا لأن هذه الحقيقة تنطبق بوضوح على اللغة العربية فإننا نجد أن محمود عباس العقاد رحمه الله حذر من كيد الأعداء لها حين قال في كتابه (اشتات مجتمعات اللغة والأدب): إن الحملة على اللغة في الاقطار الاخرى انما هي حملة على لسانها او على ادبها وثمرات تفكيرها على أبعد الاحتمال، ولكن الحملة على لغتنا نحن حملة على كل شيء يعنينا، وعلى كل تقليد من تقاليدنا الاجتماعية والدينية، وعلى اللسان والفكر والضمير في ضربة واحدة.. وزوال اللغة العربية - لا سمح الله - لا يبقي للعربي او المسلم قواما يميزه على سائر الأقوام ولا يعصمه ان يذوب في غِمار الأمم فلا تبقى له باقية من بيان ولا عرف ولا معرفة ولا ايمان".
إن محاولات قهر اللغات الوطنية هي احدى الممارسات الاستعمارية لأجل الوصول الى محو هوية الشعوب وفصلها عن حضارتها وثقافتها التي تعمق من انتمائهم وتربط بين افراد الجماعة، سعيا لتعميق الفصل بين ابناء الوطن الواحد وخلق ثقافات جديدة متصارعة.. وقدكانت العربية دوما هدفا استراتيجيا للاعداء فالقضاء عليها يعني القضاء على اداة الاتصال الرئيسية في أوطاننا.
صحيفة الرائد 24/9/2008
تعليقات