أوكامبو.. رقصة السامبا البرازيلية وحكاية المحكمة الجنائية
أين تكتيكاته التي تنفي الدوافع السياسية للأجندة الأمريكية؟
أوكامبو.. رقصة السامبا البرازيلية وحكاية المحكمة الجنائية
أوكامبو.. رقصة السامبا البرازيلية وحكاية المحكمة الجنائية
د. ياسر محجوب الحسين

لويس مورينو أوكامبو مدعي ما يعرف بمحكمة الجنايات الدولية خرج من رحم بلد منكوب ثقافيا وأثنيا وفي الحقيقة لا وجود لثقافة أرجنتينية كما لا يوجد هناك أرجنتيني أصلي وإن وجد فهو مُهمّش ومنعزل، فقد كانت هذه البلاد أكبر المستعمرات الأسبانية بأمريكا الجنوبية واستمر الاحتلال الأسباني لها حوالي ثلاثة قرون وترتفع نسبة الأوروبيين فيها حيث يشكلون الأغلبية المطلقة أي أكثر من 90% من السكان، فمن هذه البيئة الشاذة وغير الطبيعية خرج إلى الوجود المدعو أوكامبو، الذي يحاول اليوم على مسرح السياسة الدولية رقصة السامبا البرازيلية التي لم يجد منها سوى العري والتكشّف.
وحقيقة الأمر إن أوكامبو يتصف بصفات غريبة ليس من بينها العدل والنزاهة والحياد وهي الصفات الضرورية المفترضة في رجل القضاء والقانون، فهو شخصية متناقضة الأقوال والأفعال مضطربة الأفكار ومتهورة تدفعها نوايا سيئة، يقول محمد علي إبراهيم رئيس تحرير صحيفة الجمهورية المصرية إن واشنطن كانت تنتظر تولي أوكامبو منصب كبير المدعين في المحكمة الجنائية الدولية لعدة أسباب منها أن له جذورا تشادية وبالتالي فإنه يكن العداء الطبيعي للسودان.
ففي الوقت الذي يسعى فيه لإصدار مذكرة توقيف في حق رئيس دولة عزيزة وذات سيادة مدفوعا بأغراض سياسية وبدعاوى ملفقة كان يؤكد في وقت سابق في حوار أجرته معه قناة العربية في ديسمبر من العام الماضي قائلا: "أنا أحترم الحكومة السودانية وأحترم ذلك البلد ونظامه القضائي". واليوم ينقلب أوكامبو على ذلك بعد رفض السودان القوي تسليم مواطنين سودانيين لمحاكمتهم في هذه المحكمة ولم يكن ذلك لأجل العناد أو الخوف من تورط هؤلاء المسؤولين ولكن ببساطة لأنه ليس لهذه المحكمة سلطة علي السودان فلم يكن أحد الموقعين على ميثاقها، لكن الدوافع السياسية دائما كانت حاضرة، فقد كان من المعتاد أن يستخدم أوكامبو تكتيكات معينة في قضايا شملت أوغندا، والكونغو وجمهورية أفريقيا الوسطى متمثلة في إصدار أوامر اعتقال سرية تعزز من فرص اعتقال المشتبه فيهم، حيث لا يُعلن عن أمر الاعتقال إلا بعد أن يتم الاعتقال بالفعل. ومعلوم أن أوكامبو تعرض للتهديد بالعزل من منصبه من جانب أمريكا إذا لم يستعجل تقديم تقريره الذي بموجبه اصدر مذكرة توقيف في حق الوزير الشجاع أحمد هارون والسيد علي كوشيب في فبراير من العام الماضي ولذا قدم تقريره على عجل كما هو معروف.
واليوم يتورط أوكامبو، شخصياً في تسريب أنباء سعيه الأخير، مدفوعا برغبة أمريكية وها هي واشنطن تؤكد عبر الناطق باسم وزارة الخارجية، بشأن هذه السعي بما يشبه الاحتفاء والمباركة. فالناطق بالخارجية الأمريكية ليس ناطقاً بلسان المحكمة، فضلا عن أن أمريكا نفسها لا تعترف هذه المحكمة. وما هو معروف أن أمريكا ترى في هذه المحكمة تمثل عقبة لعملياتها الانفرادية في الخارج وقالت من قبل أنها تخشى أن تصبح قواتها هدفا لمحاكمات ذات دوافع سياسية فهذا تبرير واشنطن لعدم التوقيع فهي تعترف دون مواربة بإمكانية وجود الدوافع السياسية والمفارقة هنا أن لواشنطن دائما قوات خارج حدودها على اتساع الكرة الأرضية تخشى عليها بينما السودان يعترض على محاكمة مسؤوليه على تهم تتعلق بأداء وظيفتهم العامة بدوافع سياسية علما بأن متطلبات هذه الوظائف تتم داخل نطاق وحدود السودان ووفق لما تعارف عليه العالم من مسؤوليات الدول داخل حدودها.
ولعل تصرفات أوكامبو غير السّوية تؤكدها رأيه المتأرجح في بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة حيث انتقده خلال أكتوبر الماضي "لإهماله موضوع العدالة في تقاريره الشهرية حول السودان". وفي مرة أخرى أشاد أوكامبو بمجهودات بان كي مون حول مسألة ترحيل المشتبه فيهم في جرائم الحرب قائلا: "لقد كان الأمين العام نشطاً للغاية في هذه المسألة، وكما تعلمون فإنه قد أثارها أمام الرئيس "البشير" شخصياً. ولكن بان كي مون يتخذ اليوم موقفا مضادا لسعي أوكامبو فهو يقول أنه سيواصل مشاوراته داخل مجلس الأمن الدولي من خلال لقاءاته بالدول الدائمة العضوية في المجلس لوقف التحركات التي يقودها أوكامبو.
ويرى كثير من اختصاصي القانون الدولي أنه ليس من حق مجلس الأمن أن يحيل قضية تتعلق بسيادة الدول إلى المحكمة, فالقضاء هو من سيادة الدول, فلا يجوز المجلس أن يسمح لنفسه بإحالة هذه القضية إلى جهة خارجية مثل محكمة الجنايات والتي قراراتها ليست ملزمة للسودان.
بقي أن نشير إلى أن هذه المحكمة والتي تعرف أحيانا بمحكمة الجزاء الدولية تلفها الشكوك والسمعة غير الحميدة فقد قال عنها محامون في بريطانيا خلال سنوات مضت أن سمعتها تمرغت بالوحل على مشهد من قبور ضحايا البوسنة. فقد أعلنوا أنهم يراقبون بقلق محاولات غربية لعرقلة محاكمة العنصريين الصرب والكروات الذين ارتكبوا مجازر بحق مسلمي البوسنة من قبل هذه المحكمة خلافا للقوانين والوقائع المعروفة. وبدأت محكمة الجزاء الدولية عملها في 2 يوليو 2002 بعد أن وقعت 73 دولة فقط على معاهدة روما ومعلوم كذلك أن جميع الدول العربية لم توقّع على ميثاقها عدا الأردن.
يبدو أن سياسة الفوضى "الخلاقة" التي أعلنتها وزيرة الخارجية الأمريكية كوندا ليزا رايس، هي وحدها التي تحرك هذه المنظمات المسماة دولية لإحباط التطورات السياسية الايجابية في البلاد بعد إجازة قانون الانتخابات فضلا عن التطورات الاقتصادية المشهودة لكن عين أمريكا لا ترى ضوء شمس السودان من رمد. أما مجلس الأمن فقد أصبح في مفترق طرق فإما أن يستمع لدعوة بان كي مون بضرورة إعطاء الحل السلمي لمشكلة دارفور الأولوية والضغط علي الحركات الرافضة للسلام للجلوس علي طاولة الحوار، وإما طوفان يهدد السلام والأمن الدوليين.
صحيفة الصحافة 17 يوليو 2008
تعليقات