باقان أموم.. الطائر الذي عشش في قصر الحكومة
«اتبع البوم يدلك على الخراب»..!!
باقان أموم.. الطائر الذي عشش في قصر الحكومة
باقان أموم.. الطائر الذي عشش في قصر الحكومة
د. ياسر محجوب الحسين

لا بد أن يعي باقان أموم الأمين العام للحركة الشعبية الذي وصف وطنه بـ «الدولة الفاشلة» أنه إن كان هناك من فشل في السودان فإنه يتمثل في تعيينه في منصب حكومي، خاصة إن كان هذا المنصب منصبا رفيعا ومحترما مثل وزارة شؤون مجلس الوزراء، بينما تعمّدت الحركة وضع أفضل وزرائها على الإطلاق الدكتور لام أكول جانبا. فلم يكن أموم طيلة مسيرته السياسية على الأقل منذ توقيع اتفاقية نيفاشا، سوى طائر شؤم ينعق بكل ما هو نشاز وغريب وأينما وجُد أموم وجُد الخراب، وكانت العرب تنظر إلى البوم على أنه طائر الشؤم وتتشاءم به، وقديما ورد في التراث «اتبع البوم يدلك على الخراب» فعندما عشش أموم في قصر الحكومة جلب معه إليه كل ألغام الخراب فانسجم الأمر مع قول الشاعر:
يا قصر جُمع فيه الشـوم واللـوم ** متى يعشش في أركانـك البـوم
لقد ظن كثير من المتفائلين- وإن بعض الظن إثم - أن تعيين أموم وزيرا في الحكومة يعني تخطيه مرحلة طور المراهقة السياسية، وانتقاله إلى مرحلة رجل الدولة، عوضا عن رجل الغابة المتمرد، خاصة بعد أن استمع الناس لكلامه وتصريحاته الناعمة التي دشن بها عهده غير الميمون في الوزارة المكلومة، إن أموم لم يأتِ إلى هذه الحكومة إلا بعد أن مارس هوايته التخريبية، فعندما وقع أغرب وأطرف إضراب عرفه العمل السياسي حين أضرب وزراء الحركة الشعبية في 9 أكتوبر من العام الماضي 2007م، فكان الأمر نوعا من الدراما، قيل إن أموم كان أحد المنتجين الرئيسيين لها، حيث تحول إضراب الوزراء من فكرة غير معقولة في أذهان العقلاء إلى دراما، بعد أن أضحت فعلا وواقعا معاشا ومُذهلا في نفس الوقت. وخطط أموم وعدد آخر من طيور البوم في الحركة لتلك الأزمة في أميركا، وذلك حينما قام - في المرحلة الأولى للمخطط - وفد عسكري من قيادة الحركة بالسفر لواشنطون واللقاء بمسؤولي وزارة الدفاع الأميركية، والحصول على دعم عسكري يقدر بنصف مليار دولار، فضلاً عن وعود باستثمارات في الجنوب ورفع للعقوبات عن الجنوب وإبقائها على الشمال..!! وكانت المرحلة التالية من المخطط المشؤوم حينما عاد أموم من أميركا وبمعيته ياسر عرمان الذي ذهب إلى أميركا بحجة الدراسة ومكث هناك قرابة ستة أشهر، وأموم أيضا هو كادر شيوعي جنوبي تدرب في سنوات شبابه في كوبا قبل التحاقه بالتمرد، ويلاحظ المرء أن هذه الخلفية لم تمنعهما من ركوب موجة الانتهازية السياسية وطلب المدد من أميركا. وبعد عودة الاثنين ذهبا إلى «جوبا» ودعيا إلى اجتماع طارئ لمكتب الحركة السياسي، لمناقشة أجندة متصلة بنية تفجير الأزمة، ولم تكن مطروحة أصلاً، وذلك في 18 أغسطس 2007م، أي قبل شهرين من بداية الأزمة.
ويتذكر الجميع حين أعلن أموم بشكل سافر وفج دعوة أميركا لإدارة منطقة أبيي بعد تعسر وصول شريكي نيفاشا لحل هذه القضية، وأموم الذي تولى مهمة البوق الاستفزازي للحركة له كثير من العنتريات، فقد هدد بالاستعانة بالإيقاد واستنفار المجتمع الدولي كله، إذا لم تتنازل الحكومة وتتخلى عن وزارة الطاقة للحركة الشعبية قبيل تشكيل حكومة الوحدة. وهدد من قبل ذلك أيضا بتحريك ما أسماه بـ «الحزام الأسود» لإثارة الفزع والرعب، وإحداث انفلات أمني ينقل الحرب إلى قلب العاصمة، إذا لم تسارع الحكومة إلى التوصل السريع العاجل للسلام والخضوع لمطالب الحركة الشعبية. وسبق لأموم أن مد يده وانتزع علم السودان من فوق نعش العقيد جون قرنق، واستبدله بعلم الحركة الشعبية بصورة مهينة وأمام رئيس الجمهورية وضيوفه ومعزيه.!!. وحين استنكر عليه أحد الصحافيين هذه الفعلة لم يُبد باقان اموم أية بادرة شعور بالندم، بل لم يجامل ويقول إنه كان تحت تأثير وطأة حزن غلب على تفكيره وعاطفته.
وإذا كانت هناك من دولة فاشلة فهي تلك التي يحلم بها أموم في الجنوب، 4.2 مليار دولار دخل حكومة الجنوب منذ إنفاذ اتفاقية السلام، ولا ينسى السودانيون تصريحات أموم الكثيرة التي عبر فيها عن قناعاته الانفصالية، وعن عدم جدوى الجري وراء «سراب الوحدة». وتأكيده أكثر من مرة أن 99% من شعب الجنوب هو مع خيار الانفصال. فأين ذهبت تلك الأموال الطائلة، لقد عاد دينق وملوال ولادو أدراجهم من الجنوب وفي قلوبهم حسرة، فقد ذهب هؤلاء المواطنون الجنوبيون إلى هناك ضمن برامج العودة الطوعية، لكنهم لم يجدوا لا تنمية ولا طرقا ولا يحزنون، والآن مازال يعيش في الشمال أكثر من خمسة ملايين جنوبي، والموجودون في الجنوب هم تسعمائة ألف فقط!. ، فلماذا طارت عصافير أموم عندما تحدثت التقارير عن تجميد منصبه في الحركة عن طريق لجنة تحقيق شكلها رئيس الحركة في وقت سابق،. إذن من الواضح أن أزمة إضراب الوزراء التي خطط لها أموم ومجموعته المتأمركة، قُصد منها صرف الأنظار عن الاتهامات في حكومة الجنوب.
ليتك يا أموم أوفيت بوعدك الذي قطعته على نفسك حين أعلنت أنك سوف تعتزل العمل السياسي والعسكري بمجرد توقيع اتفاق السلام، وتعود إلى قريتك وتتخذ لنفسك مزرعة، إنك لو فعلت ذلك لكانت الساحة السياسية بمنأى عنك، لكن بريق دولارات البترول قاتلها الله، أبقتك في الخرطوم مغاضبا.
صحيفة الصحافة 7 يوليو 2008
تعليقات