سامي الحاج.. زخم إعلامي مطلوب وقصة تحتاج لتسجيل

لفضح الإدعاءات الواهية والنصب السياسي المستشري
سامي الحاج.. زخم إعلامي مطلوب وقصة تحتاج لتسجيل


د. ياسر محجوب الحسين


إذا لم يكن لسامي الحاج مصور قناة الجزيرة عون من الله له في غياهب معتقل غوانتنامو سيئ السمعة لما بقي طودا شامخا ثابتا حتى تسلسل فجره في رداء الليل الأمريكي وابتسامة نهار وطنه وأحبابه بعد أن لبث فيه من عمره النضير سنوات سبع عجاف. فقد ظل سامي يقدم لسجّانيه ألوانا بهيجة من الصبر والمصابرة رغم حديث سنه ورطيب غصنه فكان يبدو بإيمانه أشد منهم قوة وأكثر جمعا. لقد استكبر أولئك في أنفسهم وعتو عتوا كبيرا فلم يرقبوا في ضحاياهم إلا ولا ذمة. لقد أكد سامي بصموده حقيقة أن لا أحد يستطيع ركوب ظهرك إلا إذا كنت منحنيا.
لقد ترك سامي ابنه الوحيد ولم يتجاوز عامه الأول فأصبح فؤاده فارغا لكن الله وحده الذي ربط على قلبه فما لبس في قنوت النوازل يسأل ربه فرجا بعيون دامعة فاضت أنهارا فكأني به يسمع مناديا يناديه قائلا سترجع يوما لوطنك محفود محشود مخدوم يجتمع الناس حولك فلا تكن في ضيق مما يمكرون.. فهذه القوة المتكبرة التي اتخذت من دعاوى الديمقراطية وحقوق الإنسان مسوحا تلبسها وألسنة تتفيقه بها طرقت أخبار اعتداءاتها على إنسانية المعتقلين في غوانتنامو وأبو غريب أسماع البشر حول العالم وسال جشاؤها سيل عرم ومازالت تتلمظ بأحقادها وتثخن الجراح وتدمي القلوب وتعبث بالكرامة.
لقد تابعت كل الأنفس الملتاعة ساعة وصول سامي وصحبه لأرض وطنهم بمشاعر أختلط فيها الإشفاق بالفرح وكانت لحظات لقاءه بابنه الذي أشتد عوده لحظات إنسانية عصية الوصف أبكت كل من شاهدها فالحمد لله فالق الإصباح بعد ليل مسود حالك تطاول على سامي وصحبه. ورافق الصلف الأمريكي سامي وصحبه حتى آخر لحظات وصولهم إلى وطنهم فلم تفك أغلالهم إلا ساعة ارتمائهم في أحضان ذويهم تلك الأغلال التي لم تصبح بلاستيكية إلا قبيل هبوط الطائرة بلحظات فقد كانت أغلالا حديدية استبدلت بالبلاستيكية في مسرحية مضحكة.
إن قصة سامي الحاج قصة درامية مكتملة الجوانب وأقل ما يقال عنها إنها تصلح لأن تكون فيلما سينمائيا سيحصد كثيرا من النجاح وسر نجاحه أنه لن يحتاج لتوابل أو حبكات درامية تزيد من عناصر التشويق فيه لأنه سيتأسس على حقائق ووقائع جديرة بأن يقترب منها الناس أكثر فأكثر.. لقد توال سقوط قيم العدالة المزعومة في الحضارة الغربية على أعواد مشانق الحرب على الإرهاب ووقع الضربات العسكرية. وسيكون مثل هذا الفيلم فرصة لفضح هذه الإدعاءات الواهية وهذا النصب السياسي المستشري.
لقد كان إطلاق سامي وما صاحبه من زخم إعلامي فرصة لتسليط مزيدا من الضوء على قضية غوانتنامو بغية بذل المزيد من الجهود وتكثيف الضغوط السياسية لفك قيد أولئك الأسرى الذين مازالوا ينتظرون الفرج، وكان من حسن حظ سامي أن كان أحد منسوبي قناة الجزيرة فكان أن نال تركيزا إعلاميا جعل منه محور اهتمام غطى على بقية زملائه وعلى الرغم من أن ذلك يبدو للوهلة الأولى ظلما لهم إلا أن الأمر في حقيقته عكس ذلك تماما فلو لا هذه الهالة الإعلامية الكبيرة حول سامي لما ألتفت الناس إلى الباقين وتذكروهم ولربما جاءوا إلى أهلهم دون أن يحس بهم أحد بل لربما نسيهم الأمريكيون في تلك السجون لو لا هذه الضغوط الإعلامية التي قادتها قناة الجزيرة لفك أسر سامي باعتبار ذلك جزء من رد الجميل لمصور غامر بحياته لأجل الوصول إلى الحقائق في مناطق حرب عالية الخطورة. ومن الواضح أن الحملات الإعلامية التي قادتها الجزيرة لصالح سامي الحاج كانت أساسا متينا ارتكزت عليه جهود الدبلوماسية السودانية فيما بعد والتي أسفرت عن إطلاق سامي ورفاقه أمير يعقوب ووليد محمد الحاج.
ويبدو أن ملحمة إطلاق سراح سامي الحاج كانت فرصة لإظهار التعاطف والمؤازرة من جميع قطاعات الشعب السوداني قيادة وشعبا وسائر منظمات المجتمع المدني. وبالطبع لم ترسلهم الحكومة إلى سجن جديد كما حصل في بعض البلاد التي عاد إليها أبناؤها من غوانتنامو بل أن الرئيس ونائبه سجلوا إليهم زيارات ونقلت إلينا الكاميرات ذلك العناق البديع والعفوي بين رئيس دولة وأحد مواطنيه حقا كانت مشاهد وصور لا نكاد نجد لها مثيلا. كذلك كان لمدير شبكة الجزيرة موقف عظيم ينم عن نبل عاطفة جياشة فكان في استقبال سامي في مطار الخرطوم في الثانية صباحا وشاهد الجميع دموعه تأثرا وفرحا بعودة ذلك البطل.


صحيفة الصحافة 8 مايو 2008

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة