إفريقيا.. تجربة نضالية ضد الهيمنة الاستعمارية جديرة بالإقتداء
نجحت فيما فشل فيه العرب إزاء الدولة العبرية
إفريقيا.. تجربة نضالية ضد الهيمنة الاستعمارية جديرة بالإقتداء
إفريقيا.. تجربة نضالية ضد الهيمنة الاستعمارية جديرة بالإقتداء
د. ياسر محجوب الحسين*
من الحقائق التاريخية المعروفة أن أول من صنع الآلات هو الإنسان الزنجي (الإفريقي)، والذي أُكتشف عند مضيق الدوفيا في شمال تنجانيقا، وذلك منذ حوالي مليوني سنة. ولذلك لم يكن مستغربا أن يتمكن الأفارقة من إجبار دول العالم على إدانة نظام الفصل العنصري (ابارتهايد) في جنوب إفريقيا ومن ثمّ نهايته في بداية تسعينات القرن المنصرم. بينما فشل العرب والمسلمون حتى اليوم في إزالة النظام العنصري الإسرائيلي أو حتى محاصرته دبلوماسيا بل جعلت تصرفات قادتنا من اليأس قيدا يخنق الأمل فينا. وقبل 3 أسابيع إثر رفض الدول الإفريقية قيام قاعدة عسكرية أمريكية في القارة السمراء جمعت وزارة الدفاع الأمريكية البينتاغون سفراء 43 دولة إفريقية في أحد منتجعات ولاية فرجينيا بغرض تلطيف الأجواء بعد الرفض الإفريقي غير المتوقع لقيام تلك القاعدة التي تقرر نتيجة لذلك أن تكون في ألمانيا وأن تكون مهمتها خليطا من نشاطات عسكرية وإنسانية. وكانت ليبيريا الدولة الإفريقية الوحيدة التي أبدت ترحيبا بالقاعدة وهي دولة أسسها في 1847 الرقيق الذين أعيدوا من أمريكا إلى إفريقيا!.
وما يحير الشعوب كيف فشل القادة العرب والمسلمون في محاصرة الدولة اليهودية رغم توفر نفس المبررات التي على إثرها انهار نظام (الابارتهايد) في جنوب إفريقيا؟ حيث هناك شبه تطابق في أسس النظامين الصهيوني و(الابارتهايد) فقد قام نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا بتأسيس مفهوم الدولة أو السيادة على نشاط استيطاني ضمن مشروع استعماري انفصل عن الدولة أو الدول الاستعمارية الأم، وتشكلت جماعة قومية من خلال هذا الاستيطان تؤكد على تميزها "العرقي الأرقى" عن السكان الأصليين، فضلا عن نظام حقوقي من الفصل العنصري يبقي "العرق الأدنى" في نطاق الدولة، ولكنه يحرمه من كامل حقوقه مثل حرية التنقل، وحق الاقتراع، فأبناء "العرق الأدنى" السكان الأصليون هم نظريا مواطنون، إلا أن الدولة ليست تعبيرا عن تطلعاتهم، بل هي أداة لسيطرة "العرق الأرقى" عليهم. وكل ذلك ارتكز على ثقافة سياسية ودينية تأسست على نظريات عرقية تتبناها الدولة والكنيسة، وشكلت تبريرا نظريا وأخلاقيا لنظام الفصل العنصري. كذلك نجد الدولة العبرية جاءت ضمن مشروع استعماري استيطاني احتضنته بريطانيا وأمريكا وشكل الاستيطان امتدادا لنفوذهما. ولم يكن بالإمكان إقامة دولة يهودية في فلسطين دون طرد السكان الأصليين الذين شكلوا أغلبية.. وقد وفرت الحروب التي مرت بالمنطقة غطاء لعمليات التهجير والطرد الواسعة النطاق. وعمدت الصهيونية إلى استخدام أدوات استعمارية كلاسيكية في عملية احتلالها للأرض العربية وإقامة مشاريعها الاقتصادية والارتباط بالمصالح الامبريالية في المنطقة والتعامل مع الفلسطينيين وكأنهم شعب بدائي لا تتوفر لديهم تطلعات وطنية وقومية سيادية.
و تحتل القارة الإفريقية المكانة الثانية بين قارات العالم إذ تزيد مساحتها عن الثلاثين مليونا من الكيلومترات المربعة؛ وهي بعبارة أخرى تمثل نحو 22% من مساحة اليابس وفيها من الكنوز ما إن مفاتيحه لتنوء بالعصبة أولي القوة وتعد منجماً لا ينضب للإمكانات والثروات الكامنة ومستودع هام للمواد الأولية، ولم يكد يتم استغلال ما يزيد عن الطبقة السطحية من أرضها إلى اليوم، ومع ذلك يقال أنها تنتج ما يقرب من 98% من إنتاج العالم من الماس و55% من ذهبه و22% من نحاسه مع كميات ضخمة من معادن جوهرية هامة كالمنجنيز والكروم واليورانيوم. كما تنتج إفريقيا حوالي ثلثي كاكاو العالم وثلاثة أخماس زيت النخيل، وأرضها فيها احتياطيات لا نهاية لها من القوة المائية كما ينمو في أرضها أي نبات في العالم. ويشير الخبراء إلى أن مجال النفط في هذه القارة يوفر العديد من الفرص الجاذبة منها توفر الاحتياطيات النفطية وبكميات كبيرة كما أن نوعية النفط فيها عالية وما أسال لعاب الولايات المتحدة أن خطوط النفط الشحن إليها من إفريقيا أقصر من أي مناطق إنتاج أخرى. ولذلك سلّطت الخطة القومية للطاقة التي أعدها فريق عمل نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني منذ سنوات الضوء على غرب إفريقيا باعتبارها المصدر الأسرع تطوراً للنفط والغاز للسوق الأمريكي.
وهذا الغزل الأمريكي غير البريء يأتي في وقت لم ترفع فيه واشنطن حتى اليوم اسم مناضل إفريقيا الأول نلسون مانديلا من قائمة الممنوعين من دخول الولايات المتحدة منذ عهد التفرقة العنصرية الأمر الذي شكل دعما لذلك النظام البائد البغيض وقالت وزيرة خارجيتها كوندوليزا رايس أنها ترغب في إنهاء ما وصفته بحالة الإحراج التي تشعر بها الإدارة الأمريكية بسبب هذا التعسف. إن رفض الأفارقة لقيام قاعدة أمريكية في القارة يؤكد النوايا الأمريكية الشريرة التي تنبع من قاعدة أساسية هي قاعدة الفك والتركيب؛ أي أن حروب القارة المصطنعة عملية تفكيك تفسح المجال للتدخل العسكري الأمريكي وهو عبارة عن حصان طروادة يحمل في جوفه الشعارات الإنسانية البراقة من حقوق الإنسان والسلم الأهلي والإقليمي، للإجهاز على القارة بعد أن فُتّ في عضُد أطرافها الداخلية فتصبح الطريق سالكة للتدخل الخارجي بل يغدو مطلبا عاما، وتروّج له بعض الأدوات والدُمى المحلية على أنه رحمة بعد أن عجزت دول القارة عن إيجاد حلول توافقية بين أبناءها سواء على مستوى القطر الواحد، أو على مستوى العلاقات بين دولها المختلفة والمتصارعة هي الأخرى. ومن ثم تقوم القوى الاستعمارية بعد ذلك بعملية تركيبية لمؤسسات الدول الإفريقية بمساومات وحصص وفتات لهذا الطرف أو ذاك.
* صحفي سوداني مقيم في قطر
صحيفة الصحافة 26 ابريل 2008
تعليقات