مبارك الفاضل وباقان أموم.. رهان على أمريكا على حساب الوطنية
مبارك الفاضل وباقان أموم.. رهان على أمريكا على حساب الوطنية
بطلان لا معقولان لمسرحية تراجيدية في السياسة السودانية
بطلان لا معقولان لمسرحية تراجيدية في السياسة السودانية
ياسر محجوب
كاتب وصحفي سوداني
يبدو مبارك الفاضل المهدي رئيس حزب الأمة الإصلاح والتجديد وكذلك باقان أموم الأمين العام للحركة الشعبية كبطلين لا معقولين لمسرحية تراجيدية في السياسة السودانية. فالأول الذي يقبع اليوم في أشهر السجون السودانية تمسك بتلابيبه نفس طموحة طموحا شاطحا لا يملك له أي مقومات، فكل تحركاته ومناوراته السياسية يحكمها شيء من الرعونة السياسية بل السذاجة في كثير من الأحيان. لقد أوقعه حظه العاثر بالأمس القريب في قبضة جهاز الأمن السوداني ومعه مسؤول كبير في حزبه و 12 من ضباط الجيش المتقاعدين بناء على معلومات وتقارير رصدت تحركاتهم للقيام بأعمال تخريبية تستمر لمدة 7 أيام يعقبها دعوة جهات دولية للتدخل لإيقاف حالة الفوضى، هذا حسبما أورده بيان لوزارة الداخلية وهو ما يعني في أدبيات العمل السياسي محاولة للقيام بانقلاب عسكري.
ربما هناك الكثير الذي يؤكد اتهامات الأمن السوداني، فالعقلية التي تحكم مبارك الفاضل توقعه في مثل هذه المخططات التي تتسم بالضعف والاستعجال والسذاجة، فرغم ما عرف عن قوة وجاهزية الأمن السوداني الذي يقف بجانبه ثاني أقوى جيش في إفريقيا حسب آخر التقارير العسكرية الدولية، إلا أن ذلك لم يكن السبب في إحباط مخطط مبارك المهدي، فالذي أوقع هذا المخطط فريسة سهلة في يد الأمن هو عملية "السلق" التي صاحبته. فضلا عن أن نظام الحكم في السودان ليس في حاجة في هذا الوقت لأن يلفق مزاعم ضد أي من المعارضين الذين هم في أضعف حالاتهم، خاصة مبارك الفاضل الذي غدا ورقة محروقة تعصف بها رياح أبن عمه الصادق المهدي الذي رفض عودته المهينة للحزب الأم الذي انشق عنه في عام 2002.
وقد جاء هذا الانشقاق بعد أن نفد صبر الصادق المهدي تجاه التصريحات التي أطلقها مبارك الفاضل عندما كان رئيسا للقطاع السياسي بحزب الأمة فقرر تجميد عضويته لمدة عام. وجاء القرار على خلفية مطالبة الفاضل بتجديد القيادة في حزب الأمة وتنحي الصادق المهدي عن مناصبه، بعد أن أمضى نحو أربعين سنة كرئيس للحزب، وإتاحة الفرصة لقيادات جديدة على غرار تجربة حزب المؤتمر الوطني الذي يرأسه الرئيس عمر البشير.
وقال مبارك الفاضل حينئذ إن حزب الأمة بقيادة الصادق المهدي فشِل في عقد أي مؤتمر، وإن قادة أجهزته تم تعيينهم، ولم يأتوا عبر الانتخاب. وأضاف: "نحن نمثل الشرعية في الحزب، ولا أحد يستطيع إقالة أحد، والصادق ومن معه أجهزة معينة وغير شرعية منذ عام 1988". فبالرغم من وجهات الأسباب لكن التهور والاستعجال كانا سمة هذا التحرك.
وقرر مؤتمر حزبي دعا له الفاضل نفسه تعيينه رئيسا للحزب بدلا عن الصادق المهدي، وأعلن عن حل مؤسسات الحزب، وتشكيل هيكلة تنظيمية جديدة. ومثلما فعل الصادق المهدي مع عمه الإمام الهادي المهدي عام 1966 فقد رفض مبارك الفاضل مشروع انتخابه إماما للأنصار ودعاه إلى التمييز بين كيان الأنصار وحزب الأمة بما يؤدي إلى عدم الجمع بين قيادة الحزب وإمامة الأنصار لان الإمامة في رأيه مربوطة بالبيعة الوراثية وهي من حق احمد المهدي اكبر أبناء السيد عبد الرحمن المهدي. والمثير أن المبعوث الأمريكي الخاص بالسودان في وقتها جون دانفورث بعث برسالة إلى احمد المهدي وخاطبه باسم الإمام احمد المهدي وحدثه عن الدور الذي ينبغي أن يلعبه رجال الدين في تحقيق التسامح والمصالحة الوطنية في السودان. وهذا ما سوف يقودنا للحديث عن علاقة مبارك الفاضل بالأجندة الأمريكية.
فقد كانت هذه العلاقة قاصمة الظهر للتحالف الذي نشأ بينه وبين حزب المؤتمر الوطني الذي تم بموجبه تعيينه مساعدا للرئيس البشير وشغل أحد أكبر معاوني الفاضل منصب وزير السياحة، وانهار هذا التحالف في عام 2004 نتيجة لعدم التزام الفاضل وفقا للمؤتمر الوطني بالمؤسساتية ومن المفارقة أنه اتهم الصادق المهدي من قبل بالخروج عن المؤسساتية. فقد أصرّ مبارك الفاضل على زيارة الولايات المتحدة الأميركية رغم تمنيات الرئيس البشير عليه بتأجيلها، وربما خشيت الحكومة حينها من "مؤامرة" يعد لها الفاضل بدعم من الأمريكيين، ومعلوم أن مبارك الفاضل متهم بإعانة واشنطن في قصف مصنع الشفاء للأدوية عام 1998.
وفي سياق هذه الاتهامات قال مسؤول أمني سوداني على إثر مخطط الفاضل أن لديهم معلومات حول اتصالات جرت بينه وبين دولة عربية لم يسمها. وقال: "وصلتنا منها إشارة حول الموضوع.. ورفضت دعمهم بل نصحتهم بعدم القيام بمثل هذا العمل". ومضى المسؤول مؤكدا أن اتصالات الفاضل ومجموعته بدولة كبرى لم يسمها كانت إيجابية، وقال إن الدولة الكبرى أعلنت دعمها لأي عمل يحدث في الخرطوم ضد هذه الحكومة. وحسب مصادر في الخرطوم "إن الدولة العربية هي ليبيا.. والدولة الكبرى هي الولايات المتحدة الأمريكية.
والسؤال إلى أي مدى ستقف أمريكا خلف مبارك الفاضل بالضغط على الحكومة السودانية لأجل الإفراج عنه. لكن التجارب الأمريكية لا تسير في هذا الاتجاه آخرها قصة أحمد الجلبي في العراق فكما أن القانون لا يحمي المغفلين فإن واشنطن تؤمن بأنها لا تستطع حماية من هم على هذه الشاكلة. داخليا ليس هناك مؤشر على استعداد أي جهة سياسية تحمل فاتورة هذه المغامرة بل أن الشامتين سيكونون كُثر.. فالسيناريو الأكثر واقعية أن تدخل هذه القضية ساحة القضاء وتعالج بعيدا عن الحلول السياسية، فالتجارب السابقة تشير إلى تشدد الحكومة مع مثل هذه المخططات.
وإذا كان هذا حال مبارك الفاضل فليس غريبا أن يعلن باقان أموم بشكل سافر وفج دعوة أمريكا لإدارة منطقة أبيي بعد تعسر وصول شريكي نيفاشا لحل هذه القضية، وأموم الذي تولى مهمة البوق الاستفزازي للحركة له كثير من العنتريات فقد هدد بالاستعانة بالإيقاد واستنفار المجتمع الدولي كله، إذا لم تتنازل الحكومة وتتخلى عن وزارة الطاقة للحركة الشعبية قبيل تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الحالية. وهدد من قبل ذلك أيضا بتحريك ما أسماه بـ "الحزام الأسود" لإثارة الفزع والرعب، وإحداث انفلات أمني ينقل الحرب إلى قلب العاصمة، إذا لم تسارع الحكومة إلى التوصل السريع العاجل للسلام والخضوع لمطالب الحركة الشعبية. وسبق أن مد يده وانتزع علم السودان من فوق نعش رئيس الحركة السابق العقيد جون قرنق واستبدله بعلم الحركة الشعبية بصورة مهينة وأمام رئيس الجمهورية وضيوفه ومعزيه!!. وحين استنكر عليه أحد الصحفيين هذه الفعلة لم يُبد باقان اموم أي بادرة شعور بالندم، بل لم يجامل ويقول أنه كان تحت تأثير وطأة حزن غلب على تفكيره وعاطفته.
ولم يف أموم بوعده حين قال انه سوف يعتزل العمل السياسي والعمل والعسكري بمجرد توقيع اتفاق السلام، وسيعود إلى بلدته ويتخذ لنفسه مزرعة. كما أن خلفيته الشيوعية حين كان عضواً بالجبهة الديمقراطية التي هجرها بعد التحاقه بجامعة الخرطوم مع عدد من رفاقه ليلتحقوا بالحركة لم تمنعه من ركوب موجة الانتهازية السياسية وطلب المدد من أمريكا.
هذه العبثية السياسية تؤكد أن كثيرا من القيادات السياسية لم تصل بعد لحالة الرشد السياسي التي تمكنها من التمييز بين المعقول واللامعقول، وبين الوطنية والعمالة، وبين فن الاختلاف والاحتراب على جماجم الوطن.. هذه القيادات تمثل الفاقد السياسي الذي يوفر هامشا كبيرا يلعب عليه أصحاب الاستراتيجيات الدولية.
صحيفة الوطن القطرية 20 يوليو 2007
تعليقات