قطر والسودان.. عندما تكون الدبلوماسية مواقف مسؤولة

"أبو تفة" رئيس الجالية الجديد .. على رسلك أيها الهُمام
قطر والسودان.. عندما تكون الدبلوماسية مواقف مسؤولة

ياسر محجوب الحسين*


كان التئام القمة التي جمعت قطر بالسودان وإريتريا مؤخرا بالدوحة تكريسا لعلاقات صحية ومستقبلية بين الغريمين السابقين السودان وإريتريا وجاء ذلك ثمرة لجهود دبلوماسية قطرية حثيثة على مدى السنوات الماضية ارتكزت على علاقات متميزة بين الطرفين ومضت قطر بشكل عملي في جهودها عن طريق استثمار وتنمية الحدود بين البلدين. ولم تكن قطر معنية بملف شرق السودان فحسب بل لقد كان لها مواقف مقدّرة فيما يتعلق بملف دارفور فقد كان لفهم الدبلوماسية القطرية العميق لمشاكل السودان دور في تعزيز علاقات البلدين ونقلها من مربع التقليدية إلى آفاق أرحب طالت مختلف الجوانب الإقتصادية والسياسية ولابد من التعريج على موقفها المسؤول من قضية دارفور التي تحولت إلى حصان طروادة لصالح العقلية الاستعمارية الدولية لضرب وحدة البلاد وتفتيتها وجعل السودان عراقا آخر.
فقد كان لقطر موقف مؤيد وداعم لاتفاق ابوجا وعبرت قطر بشكل فوري عن هذا الموقف القوي بكل وضوح في مجلس الأمن الذي تتمتع بعضويته في هذه الفترة. حيث تتطابق رؤيتها السياسية تجاه هذه القضية مع رؤية السودان. وأثنى ناصر بن عبد العزيز النصر المندوب الدائم لقطر لدى الأمم المتحدة في كلمة دولة قطر أمام الاجتماع العام لمجلس الأمن الدولي حول الحالة دارفور في 9 يونيو من العام الماضي على مرونة حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الرئيس عمر البشير وتعاون باقي أطراف النزاع في دارفور مما أدى إلى توقيع اتفاق السلام في ابوجا. وتؤمن الحكومة السودانية بضرورة الحلول السياسية والدبلوماسية وفي هذا الصدد تقول قطر على لسان مندوبها "إن طريق الدبلوماسية هي أفضل أسلوب لحل الصراعات المزمنة التي يستعصى على السلاح والعنف إيجاد حل لها". ويطالب السودان الأطراف التي لم توقع على اتفاق أبوجا بالانضمام إلى الاتفاق فيما تصف قطر ما تحقق بالانجاز وطالبت كافة أطراف الاتفاق اتخاذ الخطوات الباقية لإنجاحه وجعله حقيقة ملموسة على ارض الواقع وضرورة اداركهم بأن مصالحهم مترابطة بحيث إن من مصلحة كل طرف المحافظة على الاستقرار كما هي مصلحة الطرف الأخر تماما. وطالب المندوب القطري الجميع لاسيما الأطراف التي لم توقع على الاتفاق بالتحلى بروح المسؤولية.. ومازال السودان يذكر الولايات المتحدة والأمم المتحدة بوعودها بالضغط على الرافضين لإتمام حلم السلام في دارفور وترى قطر أن على عاتق مجلس الأمن تقع على مسؤولية ممارسة الضغوط الكفيلة بإيصال رسالة واضحة إلى تلك الأطراف بأن تنضم إلى مسيرة السلام وتمتنع عن تقويضه. وهذا ما لم يحدث للأسف مما أدى لاستمرار المشكلة.
ويذكّر السودان كذلك الأطراف الدولية بالتزاماتها المالية وشددت قطر في كلمة مندوبها على أن مشكلة دارفور مسؤولية وطنية في المقام الأول لكنها أكدت أن على المجتمع الدولي تقع عليه أيضا مسؤولية الوفاء بالالتزامات المتمثلة في استمرار تدفق المساعدات وعدم تقليصها وتنفيذ الوعود بتقديم الدعم والموارد التي سبق التعهد بها لتوطيد الاستقرار والأمن والسلام من اجل إعادة البناء وضمان عودة النازحين والمشردين طواعية إلى ديارهم.. ولعل أهم محاور تطابق وجهات النظر احترام السيادة الوطنية للدولة السودانية حيث نبه مندوب قطر إلى أهمية أن يعمل مجلس الأمن مع هذه الحكومة على أساس احترام سيادتها من اجل ضمان الحصول على موافقتها وتعاونها في مسالة توسيع ولاية بعثة الأمم المتحدة في السودان لتشمل دارفور أيضا.
الجالية والانتخابات
في انتخابات الجالية السودانية في قطر ليس المهم من يفوز ولكن الأهم أن تجري هذه الانتخابات في جو من التوافق والاتفاق على المصلحة الوطنية العليا وفوق ذلك أن تكون نـزيهة وشفافة ويسلم بنتيجتها الجميع وأن يُعطى الفائزون بثقة الناخبين الفرصة ليقدموا الخدمة التي تستحقها هذه الجالية. وألا يتكرر ما حدث في السابق من سعي البعض لإسقاط مجلس الجالية المنصرمة ولايته بحجج واهية ربما أخفت من وراءها شعورا مريرا بالهزيمة وبعدم التسليم بالعملية الديمقراطية التي تمخضت عنها تلك النتيجة وإن كان ذلك السعي قد أخذ طرقا نظيفة وغير ملتوية فذلك أمر هين لكن أن تزوّر التوقيعات وتحشر بعض الأسماء الوهمية حشرا ولا يعلم أصحابها عنها شيئا فذلك ما لا يقبل.. ومع ذلك تواضع مجلس الجالية السابق واستجاب للوساطة والأجاويد على طريقة "باركوها يا جماعة" وتصدّق ببعض المقاعد حتى يقف الصراخ والبكاء والعويل من حوله وينصرف لأداء مهامه ومسؤولياته التي نهض بها وقام على أداءها خير أداء بشهادة الجميع ووجد الأعضاء الذين تم تعيينهم كل تعاون بل واحترام وحقيقة كانوا يستحقون كل تقدير.
وفي حقيقة لو عزم المتصدون للعمل في مجلس الجالية السودانية على تطبيق النظام الأساسي والبعد عن العمل السياسي لما كان هناك تهافت فالعمل العام عمل مضني ينطوي على كثير من التضحيات الجسام ولا يجرؤ على التصدي له إلا القليل الذين اختصهم الله بقضاء حوائج الناس. وتحرم المادة (3) من النظام الأساسي للجالية النشاط السياسي إذ تنص على الآتي: لا يجوز للجالية بحال ممارسة أي عمل سياسي أو الاشتراك فيه أو دعمه بأي صورة من الصور وتقتصر أهدافها على ما يلي:
· تقوية الروابط الأخوية بين أعضائها.
· التصدي للمشاكل التي تواجه أفرادها.
· الإسهام فكرياً ومادياً في حل المشاكل القومية التي تواجه السودان.
· التعاون مع الجاليات السودانية في الدول الأخرى لتحقيق الأهداف المشتركة.
· التعاون مع السفارة السودانية في ظل الشورى لتحقيق والغايات الوطنية.
· تكوين شراكات أو شركات مساهمة في المجالات التجارية والزراعية والصناعية والمصرفية داخل حدود الوطن.
· نشر الفكر والثقافة والتراث السوداني بكافة الوسائل المتاحة.
وتحتاج هذه المادة إلى فهم عميق وتعاطي يتسم بالحكمة والنظرة الثاقبة فالاحتفال بالاستقلال والمناسبات الوطنية لا يدخل في العمل السياسي الضيق فهو تعاون مع السفارة لغاية وطنية.
لقد كان "سطوع" صوت رئيس الجالية السودانية الجديد بقطر في برنامج "منبر الجزيرة" بقناة الجزيرة الأسبوع قبل الماضي مخيبا للآمال ومنذرا بمشاكل وتعقيدات لا حصر لها ربما لأول مرة في تاريخ الجالية السودانية بدولة قطر. لقد سن عبد المنعم أبو تفة لسانه وأدلى بدلوه في قضية المحكمة الجنائية الدولية التي تطالب بتسليم مواطنين سودانيين لمحاكمتهم في لاهاي بدعاوى تتعلق بأزمة دارفور. وأبدى أبو تفة تأييده المطلق لمطالبات المحكمة غير عابئ بحساسية الموقع الذي لم يمر أكثر من 48 ساعة على اعتلائه له. حيث وضع نفسه بكامل إرادته في خانة جهوية إن لم تكن عنصرية وضرب بعرض الحائط النظام الأساسي للجالية المشار إليه والذي لم يصبر حتى يقرأه بتمهل وعناية وبصيرة.
إن مسؤولية رئاسة الجالية أخي أبو تفة تحتاج لإعمال العقل والحكمة أكثر من حاجتها لسن الألسن كما يقتضي هذا الأمر الجلل ألا تظل نظرتك معلقة بأرنبة أنفك وألا يتعدى طموحك مواطئ أقدامك وأن تواجه تبعات هذه المسؤولية دون مداجاة ودون هروب. ومع أن المشاركة في ذلك البرنامج كانت غير موفقة من حيث المبدأ إلا أن الأمر الأنكى أنها تضمنت كثيرا من المغالطات وتدليسا شائنا للحق.
إننا إذ نوجه لك هذا العتاب الذي ربما رايته شديدا نحسب أننا نقول كلمة صادقة أمينة مستبسلة ولا نريدك وأنت رئيسا لهذه الجالية الكريمة أن تبدو مدلسا قاصدا للخداع أو غافلا لا تدرك مواقع الكلام. وربما لم تتح لك الدائرة الضيقة التي تتقوقع داخلها و"مدارسات الكتاب الأسود"التعرض لطوفان التساؤلات والاستنكارات التي أعقبت تلك المشاركة المشؤومة قاتلها الله فإن كنت حسن النية عديم التجربة فالأمر سهل وميسور وإن جئتنا بأجندة سياسية جهوية فإن الأمر جلل وفي نفس خلل.
إن الفوز الصعب الذي نلت به الثقة لم يسقط من السماء كقطرات الغيث كما لم تنبته الأرض كحبات السوسن. ولو كنا ممن يحبون الإطناب في المفارقات الطريفة وأيضا المحزنة لأوردنا الكثير الذي صاحب تلك الانتخابات النزيهة.. لكن لابد أن يكون لنا في الذاهبين الأولين بصائر.
· حكمة: المساجد ثكناتنا، والقباب خوذنا، والمآذن حرابنا والمؤمنون جنودنا.. (رجب طيب إردوجان)

*كاتب وصحفي سوداني مقيم في قطر
صحيفة الحياة السودانية 13 مارس 2007

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة