دارفور.. "المحكمة الجنائية الدولية" تمخضت فولدت فأرا
لا عزاء للقاصرات السودانيات اللائي أغتصبهن جنود الأمم المتحدة
دارفور.. "المحكمة الجنائية الدولية" تمخضت فولدت فأرا
دارفور.. "المحكمة الجنائية الدولية" تمخضت فولدت فأرا
ياسر محجوب
كاتب وصحفي سوداني
كاتب وصحفي سوداني
لم تعد للمنظمات الدولية هيبة تنسجم مع اقترانها بصفة الدولية وأضحت كالذاهب إلى غروب النسيان وحين ارتضت هذه المنظمات أن تُستخدم أداة سياسية من قبل الولايات المتحدة الأميركية وتُمرّغ كرامتها في الأرض أضحت مثل الرجل الذي حلق شاربه لأول مرة وشعر بأنه تحول إلى شخص آخر. فالشارب كان جزءً رئيسياً من شخصيته ولم يتوقع يوماً انه سيتخلى عنه وعندما فقده شعر بالاهتزاز فضلا عن أن يد التزوير لم تكن بعيدة عن وضع الأطر الفاسدة وغير السوية لهذه المنظمات.
لقد تمخض جبل المحكمة الجنائية الدولية بعد 3 أعوام من التحقيق المتناقض والمبتور حول دارفور فولدت فأرا وأصدر المدعي العام فيها مورينو أوكامبو تقريرا تضمن اتهامات لشخصين الأول وزير الدولة بوزارة الشؤون الإنسانية وهو قاض سابق ينتمي للقضاء السوداني الذي عرف بالنـزاهة وهو كذلك من أبناء دارفور الأوفياء والثاني هو علي كوشيب وهو مساعد طبي وأحد أعيان قبيلة التعايشة بوادي صالح بمنطقة درافور فيما خلا هذا التقرير من أي مذنب من جانب الحركات المتمردة التي طال سلبها ونهبها وتقتيلها بالإضافة للمواطنين العزل المنظمات الطوعية العاملة هناك. ومعلوم أن أوكامبو تعرض للتهديد بالعزل من منصبه إذا لم يقدم تقريرا قبل نهاية فبراير الماضي فقدم تقريره على عجل.
وهذه المحكمة تلفها الشكوك فقد قال عنها محامون في بريطانيا أن سمعتها تمرغ الآن بالوحل على مشهد من قبور الضحايا. فقد أعلنوا أنهم يراقبون بقلق محاولات غربية لعرقلة محاكمة العنصريين الصرب والكروات الذين ارتكبوا مجازر بحق مسلمي البوسنة من قبل هذه المحكمة خلافا للقوانين والوقائع المعروفة.
والمحكمة الجنائية الدولية مدفوعة بأجندة سياسية معلومة تتجاهل وهي تتعاطى مع قضية دارفور عددا من المبادئ الدولية المتمثلة في السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية ونقتبس من ديباجة معاهدة روما (1998) وهي تمثل النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الآتي: "إن من واجب كل دولة أن تمارس ولايتها القضائية الجنائية على أولئك المسؤولين عن ارتكاب جرائم دولية. وإذ تؤكد –المحكمة- من جديد مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وبخاصة أن جميع الدول يجب أن تمتنع عن التهديد باستعمال القوة أو استعمالها ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأية دولة، أو على أي نحو لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة. وإذ تؤكد في هذا الصدد أنه لا يوجد في هذا النظام الأساسي ما يمكن اعتباره إذناً لأية دولة طرف بالتدخل في نزاع مسلح يقع في إطار الشئون الداخلية لأية دولة. وإذ تؤكد أن المحكمة الجنائية الدولية المنشأة بموجب هذا النظام الأساسي ستكون مكملة للولايات القضائية الجنائية الوطنية".
وبدأت محكمة الجزاء الدولية عملها في 2 يوليو 2002 بعد أن وقعت 73 دولة فقط على معاهدة روما وكانت الولايات المتحدة والسودان كذلك من ضمن الدول التي لم توقع ولذلك للسودان الحق في أن يدفع بعدم اختصاص هذه المحكمة بقضية دارفور. وترى الولايات المتحدة أن المحكمة تمثل عقبة لعملياتها الانفرادية في الخارج وقالت أنها تخشى أن تصبح قواتها هدفا لمحاكمات ذات دوافع سياسية فهذا تبرير واشنطن لعدم التوقيع وبما أنني لم أسمع بتبرير صادر من حكومة السودان لكن الواضح هنا أن واشنطن تعترف بإمكانية وجود الدوافع السياسية والفرق أن لواشنطن دائما قوات خارج حدودها على اتساع الكرة الأرضية بينما السودان يخشى على محاكمة قواته ومسؤوليه بدوافع سياسية بسبب نشاطات داخل نطاق حدوده ووفق لما تعارف عليه العالم من مسؤوليات الدول داخل حدودها. ومن المعلوم أن قضية دارفور نشأت من تمرد للحركات المسلحة على سلطان الدولة ثم جاء بعد ذلك الحديث عن مسوغات هذا التمرد الذي تحول لأداة لتنفيذ المخططات الاستعمارية. وقد دعت واشنطن بدون خجل الخرطوم إلى التعاون مع المحكمة الجنائية.
ويعلم العالم انه عند التوقيع على اتفاقية أبوجا والتي قدمت الحكومة السودانية فيها تنازلات مقدرة لصالح الحركات المتمردة في دارفور وعدت الولايات المتحدة على لسان مساعد وزيرة الخارجية الأميركية حينها وكذلك المجتمع الدولي بدعم الاتفاق بل وعدت الحكومة السودانية بإرغام الحركات الرافضة على التوقيع على الاتفاق بعد إعطاءها مهلة محددة تعقبها عقوبات صارمة وهذا ما لم يحدث مما جعل القضية معلقة.
ومعلوم أن المحكمة الجنائية بموجب المعاهدة الدولية التي أنشئت بموجبها هي محكمة مكملة للمحاكم الوطنية غير القادرة أو غير الراغبة في مقاضاة مرتكبي الجرائم المشار إليها في ميثاقها. وبغض النظر عن أن هذه الجرائم هي نفسها التي ارتكبت في دارفور نجد أن السودان قادر على محاكمة المخطئين وراغب كذلك بدليل أن أحد المتهمين اللذين ورد أسمهما في تقرير أوكامبو محتجز ويتم التحقيق معه بينما أدلى الوزير هارون من قبل بإفاداته للجنة قضائية قومية في إطار تحقيق قضائي واسع ولم تثبت أية تهمة ضد أحمد هارون، فهو بالأساس رجل قانون وكان قاضيا قبل تعيينه وزيرا للدولة في وزارة الداخلية ولم تكن مهنة الوزير القاضي أحمد هارون قيادة العمليات العسكرية ولكنها كانت بالدرجة الأولى تطبيق القانون ولم يكن كما أورد أوكامبو مشرفا على توزيع السلاح على الجنجويد وهو كما يقول هارون نفسه أنه كان وزيرا ولم يكن مخزنجي. فالإدعاءات على هارون متصلة بالوظيفة العامة التي كان يشغلها. ومن المغالطات في ذلك التقرير أن هارون كان يشغل مسؤولية مكتب امن دارفور في وزارة الداخلية وعن ذلك قال الفريق عبد الرحيم حسين وزير الدفاع الذي كان وزيرا للداخلية أنه أول مرة يسمع عن مكتب أسمه أمن دارفور!!. نقول للوزير هارون الذي بدا ثابتا متزنا لا تكن في ضيق مما يمكرون لأنه ممن أحيط بهم فما وهنوا ولا جزعوا وتسد بهم الثغور. كما أن الثقة بالنفس هي أول ما يمكن توفره لتحقيق الأعمال الجليلة الباهرة ونعلم أنه وهو رجل ملتزم ومؤمن بقضيته لا ينتظر الأعداء منه أن ينـزعن يدا من طاعة، ولن يرتاع من خوض السواقي فتى قد خاض في البحر الكبير.
ولابد هنا من الإشارة إلى الفرق بين المحكمة الجنائية الدولية (تعرف أحيانا بمحكمة الجزاء الدولية) وبين محكمة العدل الدولية فالأولى أشرنا إلى اختصاصاتها وتاريخ تأسيسها في عام 2002 ولكن الثانية احتفلت في العام الماضي بمرور 50 عاما على تأسيسها وتقول المادة 34 من ميثاقها أن للدول وحدها الحق في أن تكون أطرافا في الدعاوى التي ترفع للمحكمة. ومن أشهر القضايا التي تناولتها قضية الجدار العنصري ففي 9 يوليو 2004 أصدرت هذه المحكمة إدانة لإسرائيل بسبب تشييدها جدار الفصل العنصري وجاءت مذكرة الأمين العام حول الآثار القانونية الناشئة عن إقامة هذا الجدار التي بررت قرار الإدانة الذي رفضته إسرائيل جملة وتفصيلا بكل تحدي وعنجهية في حوالي 151 صفحة بدعوى عدم وجود صلاحية للمحكمة للبحث في هذه القضية وذكرت الدولة العبرية أن الإطار اللائق لبحث هذه القضية هو الإطار السياسي وليس الإطار القانوني.
واليوم تستعد الدول العربية لعقد قمة لكننا نجدها بفعل الحرب الأميركية الغربية المجيرة لصالح إسرائيل إما غارقة في مشاكلها الداخلية أو ملاحقة من منظومة الأمم المتحدة فالعراق يبدو كمثال شاخص ونموذجا لكل دولة عربية تشكل خطرا على المخططات الصهيونية فمنذ الغزو الأميركي الذي جاء مخالفا ومتحديا للقرارات الدولية ومثل جريمة حرب دولية يسرح منفذوها كما يشاءون فقد تحول العراق إلى دولة فاشلة وفي طريقه للاختفاء ككيان سياسي موحد من خريطة المنطقة المنكوبة ويراد للسودان أن يبقى منشغلا بقضية دارفور ملاحق من قبل منظمات الأمم المتحدة التي هي في حقيقتها ذراع لتنفيذ سياسة الهيمنة الأميركية. ولا عزاء لقاصرات السودانيات اللائي أغتصبهن جنود الأمم المتحدة. إننا ندعو الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية لتقديم الذين تورطوا في هذه الجرائم للعدالة الدولية المزعومة.
حكمة: "الوردة بأي اسم آخر تبقى وردة"... وليام شكسبير
.
صحيفة الوطن القطرية 7 مارس 2007م
صحيفة الوطن القطرية 7 مارس 2007م
تعليقات