هل أشعلت "الجزيرة" شرارة الهجوم الإعلامي العالمي على قضية دارفور؟
يسمع الحاضرون شهيقا لتوني بلير عندما يطرح مراسلها سؤاله
هل أشعلت "الجزيرة" شرارة الهجوم الإعلامي العالمي على قضية دارفور؟
هل أشعلت "الجزيرة" شرارة الهجوم الإعلامي العالمي على قضية دارفور؟
ياسـر محجوب الحسين
إن نجاح أي مشروع إعلامي مرهون بتوفر 3 شروط هي: هامش حرية مقدّر، مرونة مالية وإدارية، وحرفية مهنية. وهذا ما يبدو أنه توفر لقناة الجزيرة في قطر التي أكملت عامها العاشر. وقد كان لقناة الجزيرة في الواقع المعاش تأثيراً فاعلاً في عكس صورة ذهنية إيجابية عن قطر لدى العالم جعلتها تأخذ مكانا بارزا في خريطة السياسة الدّولية؛ الباحث الأمريكي جون آلترمان والخبير بالمعهد الأمريكي للسلام بواشنطن قال: "أن قناة الجزيرة تجعل من قطر قوة إقليمية". لكن البعض لا يستبعد أن تكون جزءً من أجندةٍ سياسية دولية.. لها علاقة بالصراع في المنطقة.
إن لهذه القناة أهمية استراتيجية سياسية وإعلامية تتعدى نطاق دولة قطر لتشمل العالم العربي والإسلامي سواء أرادت قطر ذلك وخططت له أم لم تسعى أو تفعل. لقد شهدت المنطقة العربية والإسلامية لأول مرة نمطا جديدا من الإعلام "الحُر"؛ فالناظر إلى هذا الكم الكبير من الفضائيات العربية والتي قد يتجاوز عددها 150 قناة يصاب بالدهشة للتأثير الضعيف الذي تمارسه هذه القنوات في الرأي العام العالمي وصوتها المبحوح في إيصال قضايا العرب والمسلمين المصيرية. يُشار إلى أن المادة (1) من الدستور القطري تؤكد على أن دولة قطر دولة عربية مستقلة ذات سيادة. دينها الإسلام، والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي لتشريعاتها، ونظامها ديمقراطي، ولغتها الرسمية هي اللغة العربية. وشعب قطر جزء من الأمة العربية.
في منتصف ليلة السابع عشر من يناير من العام 1991م كان العالم أمام حقبة جديدة من الإعلام المرئي، لم يكن لها نظير قبل هذا التاريخ الذي نقلت فيه محطة الـ C.N.N الإخبارية الأمريكية أحداث قصف طائرات التحالف الغربي للعاصمة العراقية بغداد حيث قُدّر عدد المشاهدين الذين تتبعوا الحدث بنصف مليار إنسان موزعين على 105 دول في أرجاء المعمورة. وأعادت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م الفضائيات إلى واجهة الصراع من جديد والعالم يشاهد بذهول انهيار القلاع الأمريكية الواحدة تلو الأخرى وفرار الأمريكيين إلى البراري بحثا عن مكان آمن لا يظلله سقف مرشح للسقوط!!.
انطلاقة المارد
لقد جاء قيام قناة الجزيرة في الأول من نوفمبر من العام 1996 في أجواء عولمة ماثلة وملبدة الغيوم يلعب فيها الإعلام الدور الأعظم وأضحى محورا للتفاعلات السياسية الدولية والإقليمية والمحلية. وما يُسجّل لقناة الجزيرة ذات العمر الصغير جداً بالقياس للمحطات العالمية الشهيرة، أنها استطاعت أن تخترق الجدار الإعلامي الضخم الذي بناه الغرب بإمكانياته الخارقة. خاصة أنها تعمل في منطقة ساخنة من مناطق العالم الملتهبة بالأحداث، وومن ضمن الظروف التي هيأت لها انطلاقة قوية أنها بدت أنها جاءت بعد اختفاء تلفزيون الـ B.B.C العربي، فعندما توقف هذا المشروع كان مشروع قناة الجزيرة في بداياته فوجد في ذلك الوقت فريقاً مؤهلاً من صحافيين ومحررين ومذيعين وحتى الفنيين.
واعتمدت الجزيرة شبكة مراسليها حول العالم باعتبارها أهم مصادرها الإخباية، وبذلك احتلت موقع الصدارة في محيطها الإقليمي وكذا الدولي بتميز أخبارها وتقاريرها ذات النفس القومي العربي وربما أحيانا الإسلامي. يقول دومنيك ولتون، المسؤول في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي: "هيمن الغربيون على المعلومة خلال 150 سنة. لأول مرة، لدينا وجهة نظر مختلفة عن وجهة نظرنا، ووجهة النظر هذه قوية". وتُعتبر "الجزيرة" أول قناة تبث المعلومة من الجنوب إلى الشمال، وهكذا تغيّر مجرىً كان عليه أن ينتقل بشكل لا نهائي من الغرب نحو الشرق. ولدى العرب الذين كانوا يلجأون إلى قنوات الـC.N.N أوFox أو الـ B.B.C من الآن فصاعدا برامج مماثلة بلغتهم الأُم، ووسائل إعلام تتناول القضايا الدّولية الكُبرى بكفاءة مع تبني رؤية تلائم المزاج العربي الإسلامي.
معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى يقر أن لقناة الجزيرة تأثيرا بالغا في صياغة الرأي العام العربي والتأثير عليه ويشير المعهد إلى أن الجزيرة ألقت بظلالها على كافة وسائل الإعلام العربية، ولا تواجه أي منافسة في الوقت الراهن من نظيراتها العربية التي تديرها الحكومات والتي مازالت تبدأ برامجها الإخبارية بدقائق عديدة عن أين توجه الحاكم هذا اليوم. وبلغ هذا التأثير حدا أن قطعت الحكومة الجزائرية الكهرباء يوما عن العاصمة الجزائر لمنع سكانها من مشاهدة أحد برامجها. وربما كان أطرف ما قيل عن تأثير قناة الجزيرة ما قاله الكاتب البريطاني Hugh Miles في كتابه "Al Jazeera: How Arab TV News Challenged the World" أن إحدى أبرز اللحظات التي تشهدها المؤتمرات الصحفية الشهرية التي يعقدها توني بلير في مقر الحكومة البريطانية، هي عندما يرفع مراسل الجزيرة يده. ويسمع الحاضرون شهيقاً صادر من رئيس الوزراء عندما يطلب من المراسل طرح السؤال. ويعتقد Rupert Cornwell في صحيفة الإندبندنت البريطانية أن الجزيرة هي أكثر القنوات شعبية في العالم العربي ويتراوح عدد مشاهديها ما بين 35-50 مليون ويرى أنها مثالٌ نادرٌ لإعداد التقارير الجريئة وحرية التعبير في منطقة تهيمن الحكومات على وسائل الإعلام فيها.
الجزيرة والسودان
إن علاقة قناة الجزيرة مع السودان تدخل ضمن نظرتها بصفة عامة إلى قارة إفريقيا، هذه النظرة التي يرى الأفارقة أنها لم تنصفهم ولم تقدم بديلا صريحا للصورة النمطية السالبة عن القارة ومشاكلها في وسائط الإعلام العالمية، وعدد مراسلي الجزيرة – على سبيل المثال - في هذه القارة قليلٌ جدا مقارنة بحجم القارة وأهميتها، مما يعني أن القناة تعتمد كثيرا في مصادر المواد التي تبثها عن إفريقيا على المصادر الأجنبية الغربية. وفقد أظهر تحليل مضمون المادة الإفريقية في قناة الجزيرة في دراسة علمية خلال الفترة من العام 2000 - 2002 أن هُنالك قصور كبير في حجمها مقارنة بإجمالي المادة التي تبثُّها القناة خاصة إذا وضعنا في الاعتبار أهمية القارة وصلاتها التاريخية مع العالم العربي وقُربها الجغرافي ووجود الشق الأكبر من حيث عدد السكان وحجم المساحة من العالم العربي داخل أراضيها. فضلا عن تركيزها على الأوضاع السياسية مع تجاهل الأوضاع الأُخرى، وأظهر التحليل كذلك أن المعالجة كانت في معظمها معالجة سلبية.
وضمن هذه الدراسة وفي إحدى حلقات برنامج "لقاء اليوم" بتاريخ 23 يناير 2002م بعنوان "زيارة كلير شورت إلى السودان" استضيفت وزيرة التنمية الدولية في بريطانيا، ووفقا للدراسة فقد اتسمت معالجة الموضوع المطروح بالسلبية حيث ركّز مقدم الحلقة على أسئلة تدور حول اتهامات يتداولها الإعلام الغربي ضد السودان، فرغم بعض الايجابية في جانب من حديث ضيفة الحلقة حاول المذيع أن يسأل أسئلة فيها نوع من الإيحاء مثل: "لكن هناك بعض المراقبين ينظرون إلى التطور الذي حدث في العلاقات السودانية البريطانية والعلاقات السودانية الأمريكية باعتباره تطور فرضته وأملته الظروف الدولية الراهنة أكثر مما هو تطور حدث في نظام الخرطوم أو في تجاه حكومة الخرطوم نحو قضايا الديمقراطية وتحسين أوضاع حقوق الإنسان، هل تعتقدون أن هذا الموقف مؤَسَّس على قناعات لدى الحكومة البريطانية باعتبار أن الصدام فعلاً اتخذ خطوات إيجابية نحو قضايا حقوق الإنسان، ملف الديمقراطية في البلاد؟".
ولعل الحكومة السودانية تأخذ على قناة الجزيرة معالجتها السلبية لقضية دارفور وربما كانت الجزيرة أول القنوات الفضائية التي ابتدرت التقارير السلبية حول هذه القضية وأعتبر البعض تقارير الجزيرة الشرار الأولى لهجوم إعلامي عالمي غير مسبوق أدخل الصراع في دارفور في تعقيدات مازالت تفاقم المشكلة وربما أوعزت الجهات الحكومية السودانية إلى الجزيرة أن بعضاً ممن تولى تغطية تلك الأحداث من كادر الجزيرة من السودانيين كانت له أجندته الخاصة التي لم تكن بمعزل عن الصراع في الإقليم المنكوب. وأدى ذلك الخلاف فيما بعد إلى إغلاق مكتب الجزيرة في الخرطوم وإيقاف مراسلها في ذلك الوقت.
كاتب وصحفي سوداني – قطر
مجلة أوراق جديدة عدد نوفمبر 2006
تعليقات