البابا بنديكتوس وبرلسكوني.. ما الجديد في الحرب على الإسلام؟

"كبُرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا"
البابا بنديكتوس وبرلسكوني.. ما الجديد في الحرب على الإسلام؟

ياسر محجوب
كاتب وصحفي سوداني

لم تعد وحدها إيران أو السودان أو حزب الله أو أفغانستان أو حتى المناهج المدرسية في الدول الإسلامية ضمن القائمة "السوداء" في نظر الغرب بل أصبح الإسلام كله في هذه القائمة، وانضم بابا الفاتيكان بنديكتوس أو (بنديكت) السادس عشر إلى برلسكوني رئيس وزراء ايطاليا السابق الذي قاد هجوما على الإسلام وعلى حضارته حين وصف الحضارة الإسلامية بالمتخلفة وبأنها أقل شأنا من الحضارة الغربية، لتعم بعدها حالة من الغضب الإسلامي هدأت بعد ما قدم اعتذارا رسميا مذلا للعالم الإسلامي وقام بمبادرات رسمية وخاصة للحد من التوتر بين إيطاليا والمسلمين. إن ما يعرف بصقور الفاتيكان وعلى رأسهم الكاردينال الألماني فالتر كاسبير هم من أعدوا الخطاب المسيء الذي ألقاه البابا في اليوم التالي للذكرى الخامسة لأحداث 11 سبتمبر وذلك لأجل إقناع الكاثوليكيين والعالم المسيحي بأن جمهورية الفاتيكان تعيش نفس الهموم التي يعيشها المسيحيون عبر العالم وأن موقفها من الإسلام واضح ومخالف لفاتيكان يوحنا بولس الثاني. فما كان من البابا بنديكتوس إلا أن ينبش كتب التاريخ ليقتبس في محاضرة بجامعة ريجينسبورج الألمانية انتقادا للإسلام والرسول صلى الله عليه وسلم على لسان الإمبراطور البيزنطي مانويل الثاني باليولوجوس في القرن الرابع عشر الذي كتب في حوار مع رجل فارسي أن كل ما جلبه النبي محمد "كان شرا وغير إنساني مثل أمره بنشر الدين الذي يدعو إليه بحد السيف" كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا.
هذا الاعتداء الصارخ وصفته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية بأنه مفجع وخطير، وذكرت في افتتاحيتها بأنها "ليست المرة الأولى التي يزرع فيها البابا الشقاق بين المسيحيين والمسلمين. وأضافت أن يوزف راتسينغر وهو اسم البابا قبل تنصيبه بابا للفاتيكان أعلن عندما كان على رأس علماء اللاهوت في الفاتيكان في 2004، معارضته انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي لان "هذا البلد المسلم نقيض دائم لأوروبا". واسم بنديكتوس يقال أنه اسم لأحد أباطرة الحروب الصليبية وقد تعمّد البابا اختياره عند تنصيبه لرئاسة جمهورية الفاتيكان ولا تخفى دلالات هذا الاسم على كل ذي بصيرة.
لم يكن أمام بنديكتوس ليبقى بعيدًا عن الحملة ضد الإسلام.. فتاريخه الغامض وعلاقته السابقة بالنازية كفيلان بتفسير هذا التطاول على الإسلام وعلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، عليه تحية الرحمن تترا برحمات غواد رائحات. وما دامت اللوثة الشائعة في صالونات الساسة وأحاديث النخب الغربية تركّز على رمي الإسلام بالإرهاب والمسلمين بالفاشية كما صرح بذلك الرئيس الأميركي بوش فلم يكن أمام البابا إلا أن يسير ف هذا الطريق وربما أراد أن يكفّر عن انتماء قديم للنازية ويطمئن اليهود على حسن نواياه ويندمج في إطار سياسة غربية ويبرهن على ثقافته بالتاريخ الايطالي وهو الألماني الأصل والمنشأ والولادة.
والسؤال الملح هل يريد بنديكتوس باستشهاده بكلام متعصب بيزنطي من القرن الرابع عشر أن يدلّل على رغبته في تقريب الفجوة بين المسيحية والإسلام؟ أعتقد أنه على غير ذلك فلو كان يريد ذلك لاستشهد بسماحة الإسلام وتعايشه واحتضانه للأديان الأخرى على مر التاريخ.
لقد سقطت كل مزاعم الغرب بادعاء احترام الأديان والثقافات الأخرى غير الغربية وأن المقصود بالإرهاب دائما ليس الإسلام وإنما فئة متطرفة من المسلمين. لقد ظل الغرب يتخذ من شماعة العولمة مسوغا لإلغاء الآخر. هذه العولمة أو الثقافة العالمية حسب رأي أحد الباحثين ليست شيئا سوى الثقافة الغربية، أو هكذا يراد لها أن تكون ثقافة تُعمّم، وذوقا واحدا يفرض على جميع البشر، تُلغى فيها الاختلافات والتمايزات الحضارية.. فباسم التعددية العالمية وباسم الثقافة الإنسانية يتم التعدي على أي ثقافة غير الثقافة الغربية، وهي كما ينظر لها البعض رديف البرجوازية الأوروبية وليس خافياً أن كل من يطلق تعبير "الحضارة" غالباّ ما يقصد به الحضارة الغربية. ولذا يبدو أن الغرب يحتقر كافة الحضارات – باستثناء اليونانية والرومانية – ولا يقيم لها وزناً، ويشجع أفراده على التعالي والتكبّر، بل هو يتطرف فيصم كل معتزٍّ بحضارته بأنه يعادي الغرب وحضارته.
لقد حذر مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) وهو أكبر منظمات الحقوق المدنية المسلمة الأمريكية من انزلاق الفاتيكان تحت قيادته الجديدة في دوامة الحروب الثقافية التي تغذيها أقليات غربية علمانية وأخرى دينية نشطة بالغرب وبأميركا والتي تصوّر الإسلام على أنه عدوٌ ديني وسياسي جديد للغرب يجب أن يتوحّد الغربيون ضده. وما لم يصرح به هذا المجلس أن الغرب لا يرقب في أي مسلم إلاً ولا ذمة يرضوننا بأفواههم وتأبى قلوبهم.
ومقارنة مع مواقف البابا السابق الراحل يوحنا بولس الثاني يتضح أن المعركة قد انتقلت إلى فضاءات جديدة يتولى كبرها البابا بينديكتوس، فقد كانت مواقف الأول واضحة – على الأقل ظاهرياً - في دعوته إلى التسامح بين الديانات السماوية والمسيحية والإسلام على وجه التحديد في أكثر من خطاب، ونبذه التهجم على الديانات الأخرى ودعوته دوما للحوار حين تظهر بوادر تعصب أو مواقف تسيء إلى الأديان السماوية.
ومن خلال الاعتذار الرسمي الباهت المقدم من جمهورية الفاتيكان لما حدث من البابا تجاه الإسلام والرسول صلى الله عليه يتضح أن هذه الجمهورية الكاثوليكية تعيش أزمة حقيقية بين تيارين متنافرين داخل أروقة حكومتها، الأول يوصف بحاملي غصن الزيتون والثاني بالصقور. وواضح أن تيار الصقور وهو على ما يبدو هو الغالب يقوده البابا نفسه ويعتبر تبني مثل هذه المواقف تجاه الديانات الأخرى أمر سيساعد على نشر وتقوية الهوية المسيحية في العالم وسيمكن من التصدي لخطر الإسلام.
لقد عجبت كثيرا لأمر هذه الجمهورية التي أسمها الفاتيكان فهي دويلة دينية تتعارض مع عقيدة الغرب القائمة على علمانية الدولة وفصل الدين عن شئون الحياة العامة. كما أن ممارسات نظام الحكم فيها ممارسات ديكتاتورية تتقاطع مع مبادئ الديمقراطية الغربية. فالفاتيكان (Vatican) هي أصغر دولة في العالم مساحتها لا تتعدى ما مجموعه 0.44 كم مربع و هي مقر الكنيسة الكاثوليكية. وتقع في قلب العاصمة الإيطالية روما. وكانت جزءً من الدولة الإيطالية حتى العام 1929، حيث تم الاتفاق على إنشاء دولة ذات كيان مستقل، تُدار من قبل بابا الفاتيكان. ووفقا للنظام السياسي في الفاتيكان فإن البابا هو رأس الدولة يتم انتخابه من قبل مجلس الكرادلة لمدى الحياة وهو أمر لاشك يتعارض مع مبدأ تداول السلطة. فضلا عن هذا البابا يتمتع بسلطات ديكتاتورية مطلقة تشتمل على كل حزمة السلطات التنفيذية، والتشريعية والقضائية.
وتنخر الفضائح في كثير الهياكل التابعة لهذه الدويلة فقد كشف تقرير صادر من الفاتيكان نفسه عن قيام الكثير من القساوسة والأساقفة في الكنائس الكاثوليكية بالاعتداء الجنسي على الراهبات واغتصابهن وإجبارهن على الإجهاض أو تناول حبوب منع الحمل. وذكر التقرير الذي نشرته صحيفة "لاريبابليكا" الإيطالية الصادرة عن الفاتيكان في 21 مارس من العام 2001 أن هؤلاء القساوسة والأساقفة يستغلون سلطتهم الدينية التي يتمتعون بها في العديد من الدول، خاصة دول العالم النامي لممارسة الجنس مع الراهبات رغمًا عنهن، وقد تم الكشف عن العديد من حالات الاعتداء في 23 دولة، بل وداخل الكنيسة الكاثوليكية (الفاتيكان) نفسها!!. وأشار التقرير إلى أنه تم الكشف عن عدد لا حصر له من حالات الاعتداء الجنسي من جانب القساوسة، الذين يقومون بإجبار هؤلاء الراهبات، إما على تناول حبوب منع الحمل، أو الإجهاض لمنع الفضيحة. وطبقا للتقرير فقد طالب قساوسة في كنيسة أخرى بتوفير راهبات للخدمات الجنسية!!. وقال التقرير: إن الفاتيكان اكتفى بمراقبة الموقف، ولم يتخذ حينئذ أي رد فعل مباشر.. إن كل مسيحيي العالم يتطلعون لأن يهتم البابا بشؤون دولته ويعمل على إصلاحها أخلاقيا قبل كل أي إصلاح وأن يعتمد منهج التسامح والحوار ع الأديان الأخرى ويبتعد عن طريق المعارك الخاسرة.
صحيفة الوطن القطرية 19 سبتمبر 2006

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة