قلة مأزومة نفسيا تغرد خارج السرب
مؤتمر الإعلاميين السودانيين والجدوى من إثارة النقع

ياسر محجوب
كاتب وصحفي سوداني


تشير الأخبار الطيبة من ارض السودان الطيبة إلى أن المؤتمر القطاعي للإعلاميين السودانيين العاملين بالخارج، تحت شعار «نحو إعلام فاعل لبناء وطن السلام والوحدة» حظي بحضور كثيف وتفاعل منقطع النظير، فالقضية موضوع النقاش من الأهمية بمكان تجعل من كل ذي بصيرة نافذة ونفس طيبة غير مأزومة أن يتصدى بايجابية في مداولاتها حتى ولو لم يكن حاضرا بجسده لان كل إعلامي أصيل محب لمهنته متأس بقدسيتها ومتخلق بأدبها لا يقف موقف المتثاقلين إلى الأرض الذين يحاولون بأقلامهم الورقية رمي الشرفاء من زملائهم بسقط القول وإثارة النقع الكثيف في طريق السلام والوحدة.

ومن حسن الحظ أن الإعلام في السودان لا ينفصل بأي حال من الأحوال عن تركيبة المجتمع السوداني المتسامحة، بالرغم من أن هذا الواقع يجد حظه غير منقوص من العلل والعاهات، فالوسط الإعلامي مثخن بالجراح موبوء بأشباه الإعلاميين، والإعلاميون الوطنيون ـ وهم قادة رأي ـ يمثلون احد المتغيرات الحاسمة في عملية الاتصال والتأثير الشخصي، وقادة الرأي هم ذوو التأثير الكبير على معلومات وآراء ومواقف وسلوك أشخاص آخرين في المجتمع، وكان شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم من أشهر العلماء الذين قادوا الرأي العام وأشعلوا حماس المؤمنين لمواجهة التتار ولمحاربة البدع والأفكار الدخيلة.

ورغم أن الإمام الشافعي يقول: «إذا نطق السفيه فلا تجبه.. فخير من إجابته السكوت» وان الصمت ملاذ الروح إلا أن المرء لا يملك دفعا لرغبة المشاركة في الهموم الوطنية دون الخوض في جدل عقيم حول قضايا تجاوزتها الأحداث السياسية وأضحى في السودان واقعا لا يجد فيه مكانا أصحاب الطرح السياسي المتخلف والمستوى الأخلاقي المتراجع.. أولئك ما زال بعضهم يشتهي ليالي حمراء يضرب في شرابها ولحمها كما يضرب ولي السوء في مآل اليتيم.لقد خاضت أقلام بعض هؤلاء في مؤتمر الإعلاميين السودانيين العاملين بالخارج ووصفت الدعوة المقدمة لحضور المؤتمر بأنها «رشوة رخيصة لا تليق بالصحفي» وأنها «محاولة خائبة لشراء الأقلام العفيفة النظيفة في الخارج» فيما وصفت الشرفاء من الزملاء الذين حضروا المؤتمر بأنهم «أبواق للحكومة ستأكل وتشرب وتسعد» وآخر وصفهم بـ «القلة الانتهازية».

صحيح أن خير المواهب العقل وشر المصائب الجهل، هؤلاء لم يشرحوا لنا تجربتهم في كيفية شراء الإعلاميين؟ وهل كل إعلامي ساذج لهذه الدرجة؟ أي تدليس شائن وأي استعباط للعقول!.. كثيرة هي المفارقات المضحكة التي لا نحب الإطناب فيها، لقد كانوا جميعا سواء في فهمهم القاصر فتساوى فيهم الذي لم يجد حظه من التعليم العالي مع حامل ارفع الدرجات العلمية الشرق أوروبية، احدهم سئل عن ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي هاجر عليها واسمها القصواء فقال أنها شاعرة من شاعرات الجاهلية!! وعن ذي الفقار وهو احد سيوف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مترحما عليه انه ممثل مصري راحل!!

لقد سمح هؤلاء لأنفسهم بالتحدث باسم الإعلاميين السودانيين في قطر وأعلنوا في جوقة أشبه بمسرح العرائس أنهم يقاطعون المؤتمر الذي تأكد فيه حضور الإعلاميين السودانيين من فرنسا وبريطانيا وألمانيا وجنوب إفريقيا وليبيا بمن في ذلك إعلاميو «الحركة الشعبية» فضلا عن حضور كثيف من دول الخليج.. ومن قطر نفر كريم من بينهم الأخ بابكر عيسى مدير تحرير صحيفة «الراية» والدكتور عبد المطلب صديق سكرتير تحرير صحيفة «الشرق» إن الأغلبية الصامتة من الإعلاميين في قطر لا تعلم إلا القليل عن ملابسات تكوين رابطة باسمهم ومع تجاوز هذا التكوين المشوه نسأل لماذا بقي هذا المكتب مؤقتا لأكثر من عام؟ لماذا لم تتم الدعوة لجمعية عمومية ينتخب فيها مكتب شرعي؟ أم أن الغرض أن يبقى الأمر هكذا بعيدا عن الشرعية والمحاسبة و تظل تلك الراية ترفع لخدمة أغراض هي بعيدة عن مصالح الأغلبية الصامتة؟

ففي الوقت الذي تثير مجموعة من هذا المكتب المؤقت من غير أصحاب النوايا الطيبة الذين نكن لهم كل احترام ـ الغبار حول تذاكر سفرهم لحضور المؤتمر، تبرعت رابطة الإعلاميين السودانيين في السعودية بمبلغ 15 ألف ريال دعما لاتحاد الصحفيين السودانيين، وفيما ذهب البعض إلى أن المشكلة في إرسال التذاكر، ذكر آخرون أن هناك أبعادا متعمدا خوفا من تعكيرهم لصفو المؤتمر على حد زعمهم؟! فما هو سبب «المقاطعة» الحقيقي؟! الأغلبية الصامتة تريد أن تعرف، بالمناسبة استلم الإعلاميون من مختلف دول المهجر الذين تأخر إرسال التذاكر لهم قيمتها من أول يوم للمؤتمر.

إن الهدف الذي من اجله أقيم المؤتمر اكبر بكثير من المصالح الضيقة مثل مشاريع الإسكان التي ما زالت الأغلبية الصامتة تنتظرها وهي مصالح وجيهة لكن لكل مقام مقال.. ان الانبهار بالغرب ووسائل التقنية المتقدمة التي مكنت لنظريات ومفاهيم الاعلام الغربي من الانتشار وعدم وجود بدائل تضاهيها قوة وعمقا، كانت سببا لتربية كثرة من رجال الاعلام المسلمين على مفاهيم ونظريات الاعلام الغربي فقامت صناعة الاعلام في مجتمعاتنا على نفس الاسس والمبادئ والقيم الانتهازية التي قامت عليها تلك الصناعة في بلاد الغرب وبرز جيل من الاعلاميين مشبع حتى الثمالة بالافكار والثقافة الغربية ونشأت افكار التغريب مغلفة بدعوات التحديث والتحضر فكانت المحنة في الاعلام وما تحمله وسائل الاتصال بشتى تقنياتها.

وتعتمد شتى المذاهب والفلسفات المعاصرة على الدعاية باعتبارها وسيلة لنشرها، ودون تلك الدعاية لا يمكن أن تنهض فكرة أو يسمع لها صوت ومنذ بزغ فجر الإسلام والكتاب دائبون على مد رواقه بالقلم في الكتب والصحف وقد جاء في السنة تمجيد لهذا الجهد، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم «يوزن يوم القيامة مداد العلماء بدم الشهداء فيرجح مداد العلماء»، ولذا اتخذ أرباب المذاهب السياسية الصحافة باعتبارها لسانا ينطق باسمهم، حتى أضحى للباطل صوت كاد يشوش على صوت الحق في كثير من المواطن، ويعود ذلك إلى نشاط أهل الباطل في عرض مفترياتهم، وخذلان أهل الحق في تبلغ رسالتهم.

والإعلام الرسالي يختلف عن غيره فهو ليس مجرد نقل للخبر أو الصورة الواقعة، وإنما هو خطاب للعقل يقوم على أساس الحقيقة، وهو دعوة ترفض الكذب والتشويه وتسعى إلى الحقيقة منطقها هو المناقشة التي تؤدي إلى الاقتناع حيث تقرع الحجة بالحجة بحرية كاملة. ويجب التأكيد على أن العقيدة ترتبط بالأديان السماوية وهي تختلف بالطبع عن الإيديولوجية أو الفكر العلماني.

وفيما عدا القضايا الكبرى، والنصوص الشرعية، فلكل كاتب الحق في إبداء حرية الرأي، إلا أن هذه الحرية تقتضي الوعي بالمسؤولية الجسيمة المترتبة على هذه الحرية. يقول الله تعالى: «ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا» (الإسراء 36)، لكن البعض يفسر النقاش العقلاني لطرحهم على انه مؤشر ضعف.

كما أن موقف اللامبالاة والسلبية ليس من الإسلام في شيء، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «من لا يهتم بأمور المسلمين فليس منهم». كما قال: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه، فان لم يستطع فبقلبه وذلك اضعف الإيمان»، فإذا كان التغيير باليد موكولا لسلطان الدولة، فان التغيير باللسان من مهام الدعاة والإعلاميين.


صحيفة الوطن القطرية 30 أغسطس 2006

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة