عن الإعلام العربي.. هموم وقضايا

عن الإعلام العربي.. هموم وقضايا

ياسر محجوب الحسين*

إن الحديث عن الإعلام العربي يقتضي التطرق لمفهوم الوطن العربي كقومية وكنظام جيوسياسي، فالإعلام العربي لا ينفصل بأي حال من الأحوال عن الكيان الذي يعرف بالوطن العربي أو النظام العربي.. والنظام العربي كيان إقليمي له خصوصيته، وهو جزء لا يتجزأ من النظام الدولي. ويرى الدكتور محمد السيد سعيد أن (النظام الدولي أو العربي) مفهوم دراسي افتراضي، بمعنى أنه لا يشير إلى شيء أو وجود مادي وإنما إلى وجود مستتر، القصد منه في المنظور العلمي هو التأكيد على أسبقية مستوى التحليل الكلي لظواهر العلاقات الدولية على مستوى التحليل الجزئي: أي تحليل سلوك كل دولة أو أمة على حدة. ولكي نفهم حركية النظام الدولي فهما كاملا لا بد من فهم تماثل وخصوصية أنظمة إقليمية عديدة (كالنظام العربي مثلا)، ولكي نفهم الظواهر المميزة لهذه الأخيرة، علينا أن ندرك بادئ ذي بدء أنها تعود في نهاية المطاف إلى خصائص النظام الدولي. والعالم العربي جزء من النظام العالمي يؤثر فيه أحيانا ويتأثر به في معظم الأحيان من جانب آخر وبمعنى فإن الوطن العربي يشكل إحدى المرايا العاكسة لعلاقات القوى والمتغيرات الهيكلية في النظام العالمي ككل، بالإضافة إلى أنه يمثل واحدا من المتغيرات فيه التي لعبت أدوارا في تغييره ودفعه نحو آفاق جديدة.
والقومية مصطلح حديث العهد ولم يصبح حركة شعبية في أوروبا الغربية إلا في غضون نهاية القرن الثامن عشر أبان الثورة الفرنسية. وتعني القومية في الوقت الحاضر حب الأرض المشترك أو اللغة المشتركة أو أنها تعني رغبة في الاستقلال السياسي للأمة وسلامتها وهيبتها. أو أنها لم تكن غير إخلاص مبهم لكائن اجتماعي فوق الطبيعة، هو أكثر من مجموع أجزائه يسمى أحيانا الأمة أو الشعب، أو أنها عقيدة خلاصتها أن الفرد لا يعيش إلا من أجل الأمة مع ما يتبع ذلك من أن الأمة غاية في نفسها. إلى حد كبير يمكن اعتبار هذا الأمر ينطبق على ما نسميه بالقومية العربية التي تجمع الأقطار العربية في وحدة جغرافية تسمى الوطن العربي وداخل تجمع إقليمي يعرف بجامعة الدول العربية. لكن يجب الحذر من مفهوم القومية لدى البعض؛ يقول الكاتب أبو خلدون ساطع الحصري: إن الفرنسيين أصبحوا يطلقون اسم "ناسيوناليزم" و"ناسيوناليست" على بعض المذاهب والأحزاب السياسية المعروفة بالـ"يمينية" وبـ"الوطنية المتطرفة" على الرغم من كونها مخالفة لمبدأ القوميات مخالفة صريحة. ويجوز لنا – والحديث للحصري – لنا أن نترجم كلمة "الناسيوناليزم" بكلمة "الوطنية" ولكنه لا يجوز لنا أن نترجمها بكلمة "القومية" لكونها "ضد القومية" بصورة صريحة.
وعندما نقول الإعلام العربي كأنما نقول مثلا الإعلام السعودي أو المغربي، باعتبار أن الهدف الأيديولوجي من مصطلح النظام العربي هو الاعتراف بالقُطرية باعتبارها أمرا واقعا، مع الاستمرار التمسك بروابط خاصة بين العرب في كل مكان واستهداف الوحدة في الأمد الطويل. ولعل من أهم الروابط بين بني البشر هي اللغة، فهي وسيلة التعبير عما يدور في داخل النفس من المعاني المختلفة وواسطة التفاهم بينهم، واللغة العربية هي لغة الأغلبية الساحقة لأبناء الوطن العربي، وبفضل اللغة العربية توحدت ثقافة العرب فاللغة وعاء الثقافة، لأنها تشتمل على تاريخ الأمة وثقافتها وتراثها الفكري من علوم ومعارف. ولاحظ الباحثون عددا من الآثار الناجمة عن استخدامات اللغة في الإعلام بشتى ضروبه، وتتجلى هذه الآثار في الجوانب السلوكية والنفسية والتربوية، والنظرة إلى الأشياء، والتفكير .. ومن ذلك أن اللغة تؤثر في الشعب المتكلم بها تأثيرا لا حد له يمتد إلى تفكيره وإرادته وعواطفه وتصوراته، وإلى أعماق أعماقه، وأن جميع تصرفاته تصبح مشروطة بهذا التأثير ومتكيفة به.
وهناك من يرى أن العروبة في مفاهيمها القومية قد بعُدت عن العنصرية وأصبحت أسسها ثقافية لغوية تضم أعراقا شتى فيهم الأبيض والأسود وما بينهما من ألوان، واكتسبت مضامين اجتماعية وتحررية لاسيما إبان حركة القومية العربية. ولا يمكن تأييد الحديث عن القومية إذا كان يحمل في طياته نفسا عنصريا تجاه أقرب الأقربين، فإفريقيا مثلا تلتقي مع العالم العربي في حب الأرض المشترك والرغبة في الاستقلال السياسي. والحديث عن القوميتين من غير هذا المفهوم يلتقي مع فهم البروفيسور أحمد محمد كاني للقومية إذ يقول: "إن القومية العربية والقومية الإفريقية فكرتان نشأتا في أحضان الفكر الغربي الذي لا يفسّر التقدم الإنساني إلا من خلال العنصر واللون". ويضيف "ربما نتفق مع من يقول بأن تقليـل القوميين من شأن الدين هو منشأ كل هذه المصاعب".
الإعلام العربي ومشكلاته
لعل الإعلام العربي لا ينفصل بأي حال من الأحوال عن تركيبة المجتمع العربي السياسية والإقتصادية والإجتماعية، فإن كانت هذه التركيبة عليلة فهو يجد حظه من عللها غير منقوص. فلا يمكن ننتظر إعلاما صحيحا معافى ما دام الوسط الذي يعمل فيه مُثخن بالجراح. إن تعدد الأنظمة العربية واختلاف وتنوع بناها الإقتصادية والإجتماعية والثقافية، وتنوع أطرها المرجعية، أمور فرضت تنوعا واختلافا في الإعلام، شمل المنطلقات والسياسات والاستراتيجيات والنظرات. بيحث بات متعذرا الحديث عن إعلام عربي واحد إزاء معظم القضايا. وبات من المنطقي الحديث عن إعلام الدول العربية.
ولابد بدايةً من التفريق بين الإعلام العربي المشترك وبين الإعلام العربي الذي يُقصد به نشاط الأجهزة والمؤسسات الإعلامية في مختلف الدول العربية. فالإعلام العربي المشترك ليس بديلا عن أو تكرارا للأنشطة الإعلامية التي تمارسها الأقطار العربية في إطار سياساتها القُطرية .. ولكنه يمارس بالاشتراك والتنسيق معه هذه الأنشطة في إطار هدف قومي مشترك، وعلى الصعيد الدولي يعد الإعلام العربي المشترك أحد أدوات ممارسة السياسة العربية المشتركة. ويعرف الدكتور راسم محمد الجمال الإعلام العربي المشترك بأنه: الوظيفة الإعلامية التي تمارسها جامعة الدول العربية باسم ونيابة عن، وبالاشتراك مع الأقطار العربية وتحت إشرافها لصالح الوطن العربي في مجموعه. ويقول: إن الانتقادات الموجهة إلى الإعلام العربي المشترك لم تفرق بين الأقطار العربية والإعلام العربي المشترك وأطلقت هجماتها على الإعلام العربي مما حمّل الإعلام العربي المشترك كل أخطاء الأنشطة الإعلامية للعرب. وتجدر الإشارة هنا إلى أن وزارة الإعلام المصرية أعلنت عن إطلاق قناة الأمة الفضائية في 31 مايو 2004م والتي ستشرف عليها جامعة الدول العربية واتحاد الصحافيين العرب. وقال مسؤول بالفضائية الجديدة إن برامج القناة سوف توجه للغرب وتنقل له صورة من الواقع العربي وحقائق عن الإسلام والأمة العربية بهدف التصدي لمحاولات تشويه الدين الإسلامي والمغالطات التي ينقلها الإعلام الأوروبي والأمريكي عن الدول العربية.
عموما تتميز الخريطة الإعلامية العربية بكثير من الاختلافات وأوجه التفاوت سواء على المستوى الوطني وداخل الدولة الواحدة أو على المستوى القومي، وبين الدول العربية في المشرق والمغرب والخليج ووادي النيل، وأدت السيطرة التنظيمية المحكمة التي تمارسها الحكومات العربية على وسائل الإعلام إلى سيطرة الطابع الحكومي على الممارسات الإعلامية. فأصبح الإعلام العربي إعلام تقليدي، ينطق بلسان السلطة وحدها، في شكل رتيب يشوبه تخلف. ويصف بعض الكتاب الإعلام العربي – وهو ربما كان وصفا متطرفا - بأنه "تهريجي" لا يُطنِب فقط في مدح الحاكم ويرفع من مرتبته لدرجة القداسة، بل يختزل في شخصه الحاضر والمستقبل. وهو بذلك لا يُساهم في صناعة القائد وإنما في "تأليهه" ودرء الخطأ عن قراراته. وهو إعلام "تهريجي" أيضا لأنه لا يتطلّع إلى الاقتراب من واقع الحال وعكسه، في الشكل والمضمون، بقدر ما يتجاهل ذات الواقع لدرجة المزايدة المجانية الصرفة".
ويرى الدكتور محمد مصالحة أن من أهم سلبيات الإعلام العربي العلاقة الوثيقة بين السياسة والإعلام على المستوى الوطني في خضم المنازعات السياسية الداخلية بين الدول العربية وأسس توظيف الإعلام سياسيا بحيث أصبح الإعلام القُطري أداة تحريض وتسميم سياسي للمجتمعات العربية التي تسوء العلاقات السياسية بين الأنظمة الحاكمة فيها. وكان من شان هذا الارتباط أن يعاني الإعلام العربي المشترك على المستوى القومي من غياب الرؤية السياسية المشتركة ومن عدم تمكن تحييد وسائل الإعلام وأجهزته من الدخول طرفا في المنازعات السياسية على الرغم من تكرار قرارات القمم العربية ومجالس وزراء الإعلام العرب منذ 1964م الداعية إلى ذلك.
أما الدكتور نبيل علي فيرى أن الإعلام العربي يعيش صدمة إعلامية على مختلف المستويات: السياسية والتنظيمية والفنية، فليس بالأقمار الصناعية والقنوات الفضائية وأحدث المطابع الصحافية وحدها يحيا الاتصال في عصر المعلومات. ويضيف: علينا أن نقر بأننا لم نرصد بعد مسارات الخريطة الجيو – إعلامية الحديثة، وهو ما عبر عنه التقرير الاستراتيجي العربي للعام 1999م بضعف الاستجابة إلى عولمة الإعلام. لقد فقد إعلامنا العربي محوره وأضحى مكبلا بقيود كبيرة لارتباطه الوثيق بالسلطة تائها بين التبعية الفنية والتنافس السلبي على سوق إعلانية محدودة. والإعلام العربي شأنه شأن معظم نظم الإعلام في العالم الثالث، يعمل تحت ضغوط سياسية واقتصادية تنأى به عن غاياته التنموية البعيدة المدى.
ومن المشكلات التي يعاني منها الإعلام العربي خطر الغزو الإخباري، الذي يكرسه ضعف الثقافة السياسية والأيديولوجية لدى كثير من الإعلاميين العرب، فمن إعلامي لا يستسيغ وصف "العالم الحر" الذي يطلقه الإعلام الغربي على المعسكر الغربي، إلى آخر لا يعترض على تسمية ذلك الإعلام للمبادرة السياسية الأمريكية في المنطقة بـ "جهود السلام في الشرق الأوسط" بينما آخر معترض يحولها مباشرة إلى "مساعي التسوية المقترحة" وهناك من ينقل وصف وكالات الأنباء الغربية لجيش الاحتلال الإسرائيلي بـ"جيش دفاع إسرائيل" كما هو حتى لو كاد هذا الجيش يصل إلى الفرات. ويعتقد القائمون على الإعلام الغربي أن الإعلام هو مرتكز السيادة، ويستهدف منتجو المواد الإعلامية الغربية أسواقا متجانسة ليخفضوا كلفة الإنتاج ويزيدوا المبيعات، ولذا فإن الإعلام الغربي يدرب الشعوب على أن تريد ما يقدمه لها. والإعلاميون العرب يسهّلون له هذه المهمة بالترويج اللغوي والثقافي التغريبي. ويقدّم عالم الإعلام الأمريكي شيللر تلخيصا عميقا للتجربة الأمريكية في الإعلام - وهو جزء أصيل من الإعلام الغربي - حين يقول: إن وسائل الإعلام الأمريكية تعمل طبقا لقواعد تجارية وتعتمد على الإعلانات وترتبط بصورة وثيقة باقتصاد المؤسسات الضخمة متعددة الشركات وما تُقدمه هذه الوسائل يجري إنتاجه لتحقيق الربح وترسيخ دعائم مجتمع الملكية الخاصة الاستهلاكي.
وتكتفي المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بتوصيف لحالة الإعلام العربي دون أن تصدر أي أحكام، ويقول تقرير لأحد لجانها: أن النظام العربي الجديد للإعلام والاتصال لا يخرج عن مفهوم شمولية العملية الإعلامية وأهدافها وإلى اعتماد أسلوب الحوار والعلاقات المتبادلة بين المرسل والمتلقي. في نفس الوقت يتصف بخصوصية أهدافه التي تنطلق من واقع الأقطار العربية ومرحلة التطور التي تعيشها وأولوية المشاكل والقضايا التي تواجهها سواء كانت اقتصادية أم اجتماعية أم علمية أم قومية، إضافة إلى اهتمامه بإزالة التفاوت الإعلامي والاتصالي بين الدول، وضمان التدفق المتوازن للأنباء والمعلومات.
الإعلام الدولي: سلبيات وإيجابيات
يُشير مصطلح الإعلام الدولي إلى تداول الإعلام عبر الحدود، بحيث يتعدى المستهدفين من قبل هذا النوع من الإعلام نطاق الدولة الواحدة، أو الشعب الواحد، فهو عبارة عن اتصال بين أمم ودول مختلفة عبر الحدود؛ فهو تحرك الرسائل الإعلامية عبر الحدود بين اثنين أو أكثر من الأنظمة الثقافية المختلفة.. فالجذور الحقيقية للإعلام الدولي، يمكن تتبعها من بدايات القرن السابع عشر، حينما ظهر المجتمع الدولي رسميا بعد توقيع معاهدة وستفاليا 1648م التي أدت إلى نشأة الدول الإقليمية ذات السيادة القومية.
ومع التطور التكنولوجي الهائل لوسائل الإعلام أصبح من الصعوبة بمكان التفرقة الدقيقة بين ما هو إعلام وطني، وبين ما هو إعلام دولي؛ فالإعلام الوطني الذي ينتجه مجتمع ما لمواطنيه قد أصبح له، بشكل من الأشكال - مقصودا أو غير مقصود - بعدا دوليا؛ فالتلفزيونات الوطنية أصبحت تُشاهد عبر الأقمار الصناعية في أنحاء متفرقة من العالم.
والإعلام الدولي يختلف عن الإعلام الخارجي وبالضرورة يختلف عن الإعلام الداخلي؛ فالأخير يوجّه للمواطنين داخل حدود الدولة الواحدة، بينما يوجّه الإعلام الخارجي إلى الجمهور الخارجي خارج حدود الدولة، وتتم العمليات الإعلامية الخارجية في نطاق التخطيط الحكومي وتحت رقابة أجهزة الدولة. وعملية الاتصال على المستوى الدولي عملية معقّدة بدرجة كبيرة، ذلك لأن العنصر الأول في عملية الاتصال وهو "من" Who ليس إلا جهازا دعائيا معقدا لأي ثقافة معينة، وكذلك فإن العنصر الثاني في عملية الاتصال وهو "إلى من" To whom يعني جمهورا غير متجانس في ثقافة أو ثقافات أخرى. كما أن أهـداف عمـلية الاتصال و ظروفها مربوطـة بمشاكل العـلاقات الدوليـة نفسه
ويتسم النـظام الإعلامي العـالمي القائم بالتـدفق غير المتوازن والأحادي الاتجاهOne way flow من عالم الشمال إلى عالم الجنوب ولا تُعتبر مشكلة هذا النظام الإعلامي في كم الأخبار المتدفقة في اتجاه واحد فحسب إذ أن من مشاكل هذا النظام الرئيسية في نظرته السلبية تجاه العالم الثالث. ويُعتبر الاستلاب الثقافي من سلبيات الإعلام الدولي وهو محصلة العلاقات الدولية القائمة على الهيمنة والتبعية بين الدول الأقوى والدول الأضعف، ويبدأ الاستلاب بهيمنة ثقافية يتم بمقتضاها "تحديث" المجتمعات النامية على غرار الأنظمة العالمية الغربية، ومن ضمن سلبيات الإعلام الدولي أيضا الاستخدام في إطار الصراع حيث استخدم الإعلام الدولي في إطار الصراع السياسي أو الأيدلوجي باعتباره وسيلة من وسائل الدفاع عن سياسة أو أيدلوجية أخرى، أما ايجابيات الإعلام الدولي فتتمثل في تحـقيـق التقارب الدولي، كذلك مراقبة البيئة الدولية، وتعزيز الصـالح العام، ونقـل الميراث الثقافي.
ومن المعلوم أن وسائل الاتصال الجماهيرية ذات بعد اجتماعي وذات أثر في سلوك الفرد ومعتقداته وفكره. ونظرا لأن الإعلام أصبح من الظواهر الأساسية في المجتمعات الحديثة زاد نفوذ مؤسسات الاتصال في المجتمعات الغربية بحيث أصبحت تشكل تهديدا للاستقلال الثقافي والفكري في الدول النامية، وتكنولوجية التواصل الإعلامي تصوغ الإنسان صياغة تكاملية جديدة ككائن فردي وككائن اجتماعي بل ككائن كوني .. فالإعلام كما يتصوره ماكلوهان رسالة Message والرسالة هي تدليك Massage أو ترويض Taming للإنسان يصوغه صياغة كونية جديدة. فالقبيلة الإعلامية قبيلة كونية بأبعادها الزمنية والمكانية والكيانية.
وتُسهم وسائل الإعلام في صياغة نمط التفكير وتفسير الأحداث وإصدار الأحكام بشأنها. ويعترف الباحثون أن كلا من الإعلام والتعليم يهدف إلى تغيير سلوك الفرد، فبينما يرمي التعليم إلى التأثير في سلوك التلاميذ بهدف تغييره، فإن الإعلام يسعى إلى التأثير في سلوك الجماهير بهدف تغييره أيضا. ويقول بروفيسور مدثر عبد الرحيم:" لاشك أن ما تتميز به وسائل الإعلام الحديثة من قدرة هائلة وغير مسبوقة في التاريخ على نقل المعلومات في أشكال نمطية بسرعة فائقة، وعلى أوسع نطاق، من الظواهر البالغة الأهمية التي يمكن أن تؤثّر – سلبا أو إيجابا – على الثقافات الإنسانية والهويات الحضارية المميّزة لمختلف المجتمعات البشرية في جميع أنحاء الكرة الأرضية".
وخلاصة القول أن ضغط الاتصال هو الذي أدى إلى انهيار المجتمعات التقليدية، وفي المستقبل سيقرر خلق وسائل جديدة للاتصال وقبول أنواع جديدة من المضمون الإعلامي، بشكل يحسم احتمالات بناء الأمم. ففي جميع أنحاء العالم نشّط الاتصال القادم من الخارج الآمال والمخاوف من أنواع الحياة الجديدة التي أصبحت بدورها مختلطة بذكريات التقاليد القديمة.
* صحافي سوداني مقيم بقطر
مجلة أوراق جديدة العدد 8،9 فبراير – مارس 2006م
http://www.awaragjadida.net/

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة