لماذا يتطوع المغرب بحراسة البوابة الأوروبية؟

هجرة الأفارقة
لماذا يتطوع المغرب بحراسة البوابة الأوروبية؟


ياسر محجوب
كاتب وصحفي سوداني

يغادر المهاجرون الأفارقة المغرب حاملين ندوبا حفلت بها رحلتهم للفوز بدخول أوروبا عبر المغرب تراوحت ما بين الإذلال والضرب والقتل.. تقول التقارير أن المئات اقتاتوا أوراق الشجر علي أرض انطلق منها الفتح الإسلامي للأندلس واشتكوا لطوب الأرض من عزلة وجوع وعطش وآلام جراح طوقته غابة بليونش المغربية عايشوا فيها صنوفا من أهوال الدنيا وبوائق الدهر ومصائب الليالي. لقد خرجوا من ديارهم وأوطانهم شبابا في عمر الأقحوان تلفهم أحلاما وردية لا يدرون أنها لا محال ستتكسر أمام الطغيان الإنساني.
وكأن حالهم يطابق قول الشاعر:
ومن نزلت بساحته المنايا فلا أرض تقيه ولا سماء
لقد أرسل المغرب الذي يبدو قد أجبر على العمل عسكريا لأوروبا في إفريقيا 4 آلاف جندي لمنع المساكين المختبئين في تلك الغابات من اجتياح سياج الأسلاك الشائكة وقُتل منهم 13 مهاجرا عقب عنف ارتعدت له القلوب في أنحاء المعمورة حيث واجهت القوات المغربية محاولاتهم اجتياز الأسوار التي تفصل مدينتي سبتة ومليلية الاسبانيتين وهما الأرض الأوروبية الوحيدة الموجودة في إفريقيا بحكم الواقع الإحتلالي. وتبين ذلك أن كل هم السلطات المغربية التي لم تأبه بحملات حقوق الإنسان ضدها حث الاتحاد الأوروبي علي مساعدتها في تحمل نفقات هذه العمليات المخزية التي تقوم بها بالوكالة، على رغم أن حدة لهجة المصادر الرسمية المغربية تشير إلي حجم الإحراج الذي تجد نفسها فيه. حيث لجأت الدبلوماسية المغربية إلى التركيز علي تقديم البلاد كضحية وتوجيه الاتهامات للأوروبيين بالتقصير في تقديم الدعم المادي ليلعب المغرب "دوره" في الحد من الظاهرة.
إن مشاهد الأسلاك الاسبانية العالية، في جيب سبتة ومليلية، وقد عَلقت بها بقايا ثياب المشردين الأفارقة وأفواج الجرحى تنقلهم الحافلات مكتوفي الأيدي إلى عمق الصحراء، تختزل مشكلة الهجرة من بلدان الجنوب نحو أوروبا، التي أدارت ظهرها لرعايا مستعمراتها القديمة. وأوروبا التي قامت حضارتها بسياجها المادي وخوائها الروحي على موارد إفريقيا الطبيعية لا تريد لجارتها إفريقيا إلا أن تُزكم أنفها بأبخرة مصانعها التي تخرب البيئة وترفع درجة حرارة الأرض وتثقب الأوزون.
وهكذا تحول الأمر في العلاقات الدولية إلى فوقية غربية شمالية تنظر بدونية إلى شرقية جنوبية، وبين الاثنين "الفوقية" و"الدونية" علاقة جدلية متناسقة تجري على قواعد وأسس لسنا في مقام يحتمل سبر أغوارها.. وتكفي الإشارة هنا إلى كيف تجري الصراعات بين بني البشر.. صراعات عمادها ظالم ومظلوم وقاتل ومقتول وتبقى الأمم المتحدة ديكورا يملأ فراغ الترف السياسي والإعلام لإنسان العالم الأول وليذهب إنسان العالم الثالث في أتون جحيم العولمة التي تمثل وجها جديدا من وجوه الاستعمار الحديث.
لقد أثبتت مشكلة الهجرة فشل سياسة تحصين القلعة الأوروبية التي مدت حدودها الأمنية من سواحل الضفة الشمالية لحوض البحر الأبيض المتوسط إلى عمق صحاري البلدان المغاربية التي تولى بعضها دور المقاول للدفاع عن تحصينات قلعة "الرخاء والسلم" ضد بؤس إفريقيا السمراء. ولو أن "الوحي" الإلهي الذي هبط على بوش الذي ألهمه تجييش الجيوش وتحريك الأساطيل العسكرية نحو العراق وأفغانستان هبط عليه كذلك لإزالة آثار إعصاري كاترينا وريتا ورفع معاناة العالم الثالث وإفريقيا على وجه الخصوص لعاش العالم اليوم في أمن وسلام ..تلك القارة التي تدفع اليوم ثمن الازدهار والرخاء الاقتصادي في العالم الأول حيث تغوص أقدام أوروبا وأمريكا في ذهب العالم وتيجانه.
إن أوروبا وأسبانيا تحديدا ينتابها شعور يتداخل فيه الإحساس بالامتنان للحضارة الإسلامية التي كرّسها وجود عربي إسلامي أمتد لحوالي ثمانية قرون وبين إحساس تشوبه نظرة دونية لواقع معاصر مرير أستوجب دون مواربة هذه النظرة وكأن جبل الحضارة الإسلامية قد ولد فأرا يقتات من موائد اللئام. لقد بدأت العلاقة التاريخية بين الجانبين بدخول جيوش موسى بن نصير وطارق بن زياد إلى الأندلس التي تعرف حاليا بأسبانيا.. ومازالت أثار الحضارة الإسلامية العربية تقف شاهدا على حقبة من التطور والازدهار فهناك جامع قرطبة بمحرابه وأعمدته وأبوابه ومدينة الزهراء التي شيّدها عبد الرحمن بن معاوية على بعد كيلومترات من قرطبة على سفح جبل العروسة وهي من أهم المدن في أوروبا لموقعها الجغرافي الاستراتيجي حيث تربط أسبانيا بباقي أوروبا.
دعونا نقترب في خشوع من تاريخ إسلامي قريب وهذا القرب ليس لأنه أختزل بحساب السنوات الضوئية بل قرب بالحساب المعهود.. يقول أحد المؤرخين المعاصرين أنه في صباح الخامس من مايو من العام 1795م عقد اتفاق سلام بين الولايات المتحدة الأمريكية والجزائر جاء في ديباجته التي تتحدث كلماتها النافذات عن ذلك التاريخ.. تقول الديباجة: "أن السبب لعقد هذا الاتفاق والدافع لتسطير هذا الميثاق ذي الطابع الحسن أنه قامت يوم السبت الحادي والعشرين من شهر صفر 1210هـ مفاوضات لعقد اتفاق سلام بين حاكم الشعب الأمريكي في جزيرة من جزر المحيط أسمها أمريكا وبين قلعة الجزائر الموقع المتقدم للجهاد المقدس". ويذكر المؤرخ أن سفن الجزائر في الفترة من أكتوبر إلى نوفمبر 1793م استولت على أحدى عشرة سفينة أمريكية وأسرت 109 من الضباط والجنود والتجار لدخول هذه السفن البحر الأبيض المتوسط كبحر إسلامي دون أذن مسبق وطلبت الجزائر من أمريكا فك رقاب عبيدها إذا رغبت في ذلك.. أما السفن فقد تم الاستيلاء عليها وهي غنيمة جهاد ولا سبيل البتة إلى إعادتها.
أننا ندعو شبابنا الأفارقة والعرب إلى هجرة فكرية ثقافية إيجابية وليس كما نشاهدها على شاشات التلفزيون نوعا اعتباطيا غوغائيا تجلب آثارا نفسية كارثية مدمرة.. فهذه الهجرة الثقافية - إن صح التعبير - تنطلق من قوله تعالى مخاطبا الرسول صلى الله عليه وسلم قائلا: "وأصبر على ما يقولون وأهجرهم هجرا جميلا" (الآية 10 سورة المزمل) والمقصود هنا – والله أعلم- المفاصلة الفكرية والنفسية للطرف الآخر حتى لا تستهويه عليه الصلاة والسلام الأساليب الجاهلية كما تستهوي شبابنا الحياة الغربية فيندفعون نحوا أوروبا وأمريكا. والهجر الجميل هو الهجر الإيجابي لأن الهجر السلبي يتناقض مع مقاصد الإسلام لأنه يعني القطيعة فلا تتحقق حينها المجادلة بالتي هي أحسن. فهي هجرة إلى الله على طريقة حوار الحضارات أو إن شئت سمها حوار الثقافات.. والثقافة الإسلامية العربية من القوة والعمق ما يجعلنا مطمئنين لانتصارها في هذه المجادلة بالحسنى.
· وقفة تأمل: ذُكر عن النجاشي ملك الحبشة أنه أصبح يوما جالسا على الأرض والتاج على رأسه فأعظم ذلك أساقفته (أي أنكروه عليه) فقال لهم إني وجدت فيما أنزل الله تعالى على المسيح عليه السلام يقول له: إذا أنعمت على عبدي نعمة فتواضع لها أتممها عليه، وإني ولد لي الليلة غلام فتواضعت شكرا لله تعالى.

· صحيفة الوطن القطرية 26 أكتوبر 2005







تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة